السلع المدعمة هى أكثر مجال للفساد والتسريب، حيث يسرق «مليونيرات الدعم» حقوق الفقراء، بطرق وابتكارات يصعب أحيانا ملاحظتها، ولهذا فإن التموين من أكثر المجالات التى سقط فيها فاسدون، وخلال سنة واحدة تم الكشف عن عشرات المتهمين من تجار أو موردى التموين الكبار ممن يحقق الواحد منهم عشرات الملايين بطريقة خفية، أما عن طريق التلاعب فى بطاقات التموين أو الاختلاس حقوق مئات من دون أن يشعروا من خلال اقتطاع كميات صغيرة تتحول إلى ملايين مع الوقت، وهؤلاء من كبار اللصوص، وهى نماذج تحتاج إلى دراسة، لبحث إمكانية مواجهتها وكشفها ومنعها.
نتذكر قضية الإسكندرية التى سقط فيها شخص واحد جمع مئات البطاقات وصرف مستحقات باسمهم وحقق 20 مليون جنيه، وفى الصعيد نفس الطريقة، وفى كل محافظة هناك قصة أو أكثر لمليونيرات تم اكتشاف بعضهم وبالطبع هناك نسبة ما تزال تمارس النهب.
آخر مثال هو قصة حرامى البوتاجاز فى كفر الشيخ الذى استولى على أكثر من 68.7 مليون جنيه عن طريق سرقة كمية صغيرة من كل أسطوانة بوتاجاز يقوم بتعبئتها، المتهم صاحب مصنع خاص لتعبئة البوتاجاز، يحصل من الهيئة العامة للبترول على الغاز المدعم «الصب» ويعبئه لحسابها، لكنه كان يختلس من كل أسطوانة كمية صغيرة، ومع الوقت كون أطنانا يعبئها ويبيعها ويزيف أوراقاً فى التوريد بأعداد أكبر من التى يفترض أنها يوردها.
عندما هاجمت مباحث التموين المصنع اكتشفت أن المتهم يتلاعب فى أوزان الأسطوانات ويختلس من كل واحدة كمية ويرسل بيانات لهيئة البترول تُفيد بإنتاج أسطوانات مطابقة للمواصفات، ويغير الأوراق التى يقدمها لمديرية التموين وتفيد بأنه يعبئ عدد أكبر من الأسطوانات، وبالتالى هو يبيع ما اختلسه للتموين، ويقدم أوراقاً لكل طرف.
ومحصلة كل هذا أن حرامى البوتاجاز، استولى على «5084 طن غاز، من إنقاص الأسطوانات، تعادل «427056 أسطوانة بوتاجاز صغيرة بأكثر من 68.7 مليون جنيه.
وتمثل هذه القضية وغيرها تطبيقا لنظرية اللصوص فى فيلم غبرى منه فيه، عندما سأل اللص الكبير ابن أخته الغبى: «لو أنت معاك طبق كشرى وأنا أخدت ملعقة هتحس»، المهم أن الحوار يجرى بشكل أقرب للنكتة، لكن حرامى البوتاجاز ولصوص الدعم والتموين فى المحافظات، يكون كل منهم ملايين باختلاس جزء صغير بطريقة ملعقة الكشرى، ليتكون لديه ملايين يصعب كشفها، من دون بلاغ أو مصادفة، وهى طرق يمكن من تتبعها اكتشاف كيفية الفساد، وابتكار طرق للمواجهة سواء من خلال قاعدة معلومات حقيقية، أو كاميرات فضلا عن الرقابة، لأن مثل هؤلاء الحرامية ما كانوا ينجحون دون إهمال أو تواطؤ أو تلاعب من الأطراف التى عليها مراقبة كل ما يتعلق بالتموين والدعم، وهو فساد بالملايين، يحتاج إلى نظرية للمواجهة تتعامل مع لصوص ملاعق الكشرى.