بين الجدية والسخرية تلقى المراقبون والمحللون فى أمريكا وخارجها التحذيرات الجديدة من تدخلات خارجية فى الانتخابات القادمة، ولم يخف كثيرون دهشتهم من أن تصدر التحذيرات من المخابرات الأمريكية، التى لم تكف طوال قرن عن التدخل والتلاعب وتغيير أنظمة وإسقاط حكومات، وإفساد انتخابات. وبدا السؤال: هل يمكن أن تكون اتهامات المخابرات الأمريكية لدول وجهات خارجية بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية القادمة مقدمة لإجراءات ضد هذه الدول أم أنها استمرار لاستهداف خصوم أمريكا ضمن سباق العمل الاستخبارى؟
جددت التحذيرات من تدخلات خارجية فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس ومجلس الشيوخ فى نوفمبر، وأرجعت الأجهزة الأمنية قلقها الشديد من محاولة روسيا والصين وإيران وجماعات أجنبية التدخل فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، الشهر المقبل، والانتخابات الرئاسية 2020، الأمر الذى دفع بعض الأمريكيين للتساؤل عما إذا كانت الشهور القادمة سوف تشهد ظهور حملات تجاه هذه الدول فى الصحافة الأمريكية التى اعتادت أن تساند هذه الاتهامات.
الاتهامات الأمريكية لروسيا بالتدخل فى الانتخابات لم تخلٌ من سخرية، سواء من الروس أو باقى دول العالم أو حتى من الأمريكيين أنفسهم، بالرغم من أن القضاء الأمريكى وجه اتهامات لروس، كما تمت الإطاحة بمقربين من الرئيس ترامب، الذى لايزال يواجه تهديدا فى حال ثبوت الاتهامات، التى وصلت بعضها إلى إشارات بالعمالة لروسيا.
ترامب وجه فى فبراير الماضى انتقادات ساخرة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالى «إف بى آى»، وقال فى سلسلة تغريدات: إن الروس يغرقون فى الضحك من التحقيقات الأمريكية بشأن تدخلهم فى الانتخابات. وسخر ترامب من سلفه الرئيس الديمقراطى أوباما، الذى لم يفعل شيئا حيال التدخلات وقد وقعت فى عهده، وقال ساخرا: «كان بإمكان مكتب التحقيقات الاتحادى منع إطلاق النار فى مدرسة فلوريدا التى قتل بها 17 شخصا، ما لم يضيع وقته فى التحقيق بشأن تدخل روسى»، بينما أصرت هيلارى كلينتون على وجود تدخلات وحملات تضليل على مواقع التواصل الاجتماعى لصالح ترامب، فقد سخر منها «المحتالة لا تريد الاعتراف بأنها مرشحة سيئة، وتحاول إلقاء اللوم على فيس بوك، بل إنها اتهمت الديمقراطيين والجمهوريين والعالم كله بإسقاطها».
ولم يفوت الروس الفرصة وسخر وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف من الاتهامات لبلاده وقال: «إننا لا نتدخل فى الانتخابات فقط، بل كذلك نتلاعب بالطقس ونتسبب بفيضانات»، بل وسخر محللون أمريكيون من قضية التدخلات الروسية فى انتخابات أمريكا، وأشاروا إلى أن «سى آى إيه» لم تكف عن ممارسة كافة أنواع التدخل فى الانتخابات وتغيير الأنظمة، وصياغة حملات دعائية يمكنها أن تقنع بما هو غير موجود، ودعا محللون لمراجعة حملات نيويورك تايمز وواشنطن بوست وفوكس وسى إن إن فى التمهيد لغزو العراق، وكيف كانت هذه الجهات تهدف لإقناع العالم بأن صدام حسين يمتلك كل أسلحة الدمار الشامل فى العالم،وهو ما اتضح أنه غير موجود بعد تفكيك العراق ونشر الإرهاب، بالرغم من كثافة النشر المدعم بوثائق يتضح أنها مزيفة.
أما الصحفى الأمريكى، ستيفان كينزر، فقد كتب «كان من السهل ابتلاع وهضم هذه الموجة من السخط الأمريكى فيما لو لم يشهد لأمريكا تاريخها الحافل فى التدخل بانتخابات الدول الأخرى، واستخدام مجموعة متنوعة من أدوات التأثير على الانتخابات فى البلدان الأخرى»، وأضاف «اخترنا مرشحين، وأوصينا بهم، وزكيناهم ومولنا أحزابهم، ووضعنا الخطط والتصورات لحملاتهم الانتخابية ودفعنا لوسائل الإعلام فى سبيل دعمهم، وهددنا بل وأخفينا كل منافسيهم»، وضرب أمثلة بدعم أمريكا لأحزاب إيطالية حتى وصلت إلى رأس السلطة فى انتخابات 1948.
وفى 1955 قدمت الاستخبارات المركزية مليون دولار لحزب موال لأمريكا فى إندونيسيا، وفى 1965 أطاحت برئيس أتى به الناخبون فى الدومنيكان واعتبرته امريكا شخصاً غير مقبول.و تدخلنا عام 1970للانقلاب على سلفادور الليندى الرئيس الاشتراكى المنتخب عام 1970، وتواصلت هذه التدخلات العلنية والخفية بما يجعل من الصعب تصديق اتهامات بتدخلات روسية أو صينية.
لكن هذه التقارير والتحليلات لم تمنع من أن تعيد المخابرات الأمريكية تحذيراتها من تدخلات قادمة، وهو ما يدفع بعض المحللين للتساؤل: هل ضعفت هذه الأجهزة وفقدت قدراتها فى زمن العولمة، أم أنها تغير من طريقة عملها، وتغطى على إخفاقات متكررة فى مواجهة أجهزة روسيا والصين وغيرها فى الحروب التجارية والسياسية؟