يرتب علماء النفس احتياجات الإنسان وفق الأولويات التى يسعى إليها الإنسان ولا يعيش من دونها، فتأتى الحاجة إلى «تقدير الذات» فى المرتبة الرابعة وقبل الأخيرة، بعد الاحتياجات الطبيعية مثل الحاجة إلى المأكل والمشرب، والاحتياج للأمن والسلامة، ثم الاحتياج إلى الألفة والونس عن طريق العائلة والأصدقاء، ثم الحاجة إلى تقدير الذات كما ذكرنا، وفى النهاية الحاجة للإبداع والرضا وحل المشكلات، وهذا الترتيب يعرف بين الدارسين بسم «هرم ماسلو» لاحتياجات الإنسان نسبة للعالم «إبراهام ماسلو» الذى قدم هذا الترتيب فى دراسة علمية شهيرة فى أربعينيات القرن الماضى، لكن للأسف لم يعش «ماسلو» حتى يظهر «الفيس بوك» ليرى كيف تتفوق الحاجة لـ«لايك» على كل الحاجات.
الآن نرى إناسا لا يأكلون ولا يشربون قبل أن يصوروا أكلاتهم ليعرضوها على مواقع التواصل الاجتماعى، ويروا بأعينهم كيف يعجب متابعوهم بالأكل ويباركونه باللايك المقدسة، ونرى من يضحى بأخيه وصاحبه من أجل كتابة منشور «يلسن» فيه على هذا أو ذاك ويفضح فيه هذا وذاك، بل وتتفوق الحاجة إلى الـ«لايك» على أهم الاحتياجات وأرقاها، فلا داعى للابتكار، لأنك من الممكن أن تسرق ابتكارات الغير وتنسبها إلى نفسك التى تحتاج إلى اللايك، ولا حاجة إلى الرضا وقبول الحقائق، لأن التذمر من كل شىء سيضمن لك لايكات أكثر، ولا حاجة أيضا إلى حل المشكلات لأن المتاجرة بالمشكلات تأخذ بيديك نحو أكبر عدد من الجماهير.
لا أنكر هنا حاجتنا إلى «تقدير الذات» أو حاجتنا إلى الـ«لايك»، لكنى أنكر وبشدة أن تتسبب عبادتنا لـ«لايك» على ما عاداها من اهتمامات، فلا حاجة للأسرة ولا حاجة للأصدقاء ولا حاجة لإنجاز حقيقى مادام اللايك موجودا، لكن السؤال الذى يطرح نفسه هنا هو: من أين يأتى اللايك؟ ومن الذى يشير إليك بالإعجاب؟
فى الغالب لا يهتم الكثيرون بمن يعجب بك، بل تهتم الأغلبية بعدد من يضغط علامة الإعجاب، يتساوى فى هذا العالم مع الجاهل، ويتساوى فى هذا الخبير مع سواق الحمير، فالأهم هو «العدد»، والنجم الحقيقى مسموع الكلمة هو الذى يستحوذ على أكبر عدد من المعجبين، ولأننا نستجدى التقدير ممن لا قيمة لهم فى الحقيقة، فطبيعى أن نحصل على الانحطاط ممن قدرونا سابقا، متناسين أن الرعاع هم الذين صلبوا المسيح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة