ليس فى عالم الإنترنت أو «فيس بوك» فقط، لكنه أحد صفات عصر المعلومات، البحث عن المثير واللافت والأكثر جدلا، فى عالم مواز يختلط فيه العلم بالخرافة، والجهل بادعاء الخبرة السياسية والعلمية، وفى هذا العالم يشغل المدعون مساحات أكبر من أحجامهم سواء فى عالم السياسة أو الرياضة أو الاقتصاد، حيث تنتشر الشائعات والمعلومات المغلوطة والمزيفة من أنصاف الخبراء أو أرباع المتعلمين، لكن فتاوى السياسة وهريها كثيرا ما تتضاءل أمام فتاوى طبية تصدر من المدعين والجهلاء، وتتسبب بمشكلات تصل للقتل، بسبب الوصفات الطبية المنقولة أو المفبركة.
وقد أصبحت أدوات التواصل أمرا واقعا، وأصبحت فى مرمى الانتقادات كأدوات تتعايش فيها الشائعات والتضليل بجانب الحقائق، وأحيانا تبدو الشائعات أكثر تأثيرا من الحقائق، لكون الشائعة تحمل قدرا من الإغراء يمنح مستخدم فيس بوك قدرا أكبر من الثقة والشعور بالوقوف على قدم المساواة مع أكثر الخبراء عمقا، وهو ما يفسر كيف يحتل السطحيون والتافهون أحيانا مكانة أكبر مما يحتله المختصون، وإذا كان هذا يهون فى السياسة والتحليلات اللوذعية، فهو يمكن أن يكون قاتلا فى الطب والصيدلة والعلم.
كثير من الأطباء أصبحوا يشكون ويرفعون أصواتهم بالتحذيرات من مواقع وأفراد ينشرون تقارير يزعمون أنها طبية عن أطعمة وأدوية تتسبب فى كوارث للمرضى، لأنها تفتقد إلى الدقة وتخلو من العلم، وتحمل قدرا كبيرا من التضليل، على سبيل المثال هناك بوست من أكثر الموضوعات انتشارا عن دور «اللبان الدكر» فى علاج الفشل الكلوى، وأنه يعيد الكلى لحالتها الطبيعية، وبالرغم من صدور عشرات ومئات التحذيرات من هذه الوصفة المدمرة، وأنها تتسبب فى مضاعفة آلام المرضى، إلا أنه يتم تبادل الموضوع وتشييره بشكل واسع على «فيس بوك وتويتر وواتس آب»، ومن يشيروه يصدقون ما فيه، ولا يكلف أى منهم نفسه لسؤال طبيب متخصص فى الكلى والمسالك البولية.
ونفس الأمر فيما يتعلق ببوستات وموضوعات وأحيانا فيديوهات على يوتيوب، يتحدث من فيها كخبير وطبيب عن طرق للتخسيس أو نصائح بتناول أو مقاطعة أنواع من الطعام، ويرفق كلامه بتوثيق فاسد منسوب للدكتور «هونوهونو أو كوكو واوا»، وأقرب مصدر هو الطب الصينى أو الفرعونى، بينما الأمر مجرد موضوع على موقع مجهول يريد جمع «ترافيك»، دون أن يدرك خطورة ما يقدمه على صحة آلاف المرضى.
والأكثر خطورة فى العالم الافتراضى، هو الأطباء المزيفون الذين يشتهرون على مواقع التواصل ويبيعون للمرضى منتجات يزعمون أنها تعالج الأمراض المناعية المستعصية كالبهاق أو الصدفية أو حتى السرطان، والأشهر المواد الخاصة بالجنس، وتزدحم بها الشبكة، وتباع فقط أون لاين، لأن من يروجوها ليسوا أطباء فضلا عن أنهم يهربون من أى مسؤولية أو رقابة.
وقد توقع الفين توفلر فى كتابه «تحول السلطة» الصادر عام 1990، أن تتسبب ثورة المعلومات فى تغيير شكل ومضمون السلطة، ومن بين ما توقعه كان سلطة الأطباء، حيث يمكن للمدعين وأنصاف المتعلمين أن يلعبوا دورا تدميريا لمهنة الطب بما يقدمونه من وصفات تفتقد للعلم، ولكنهم يصرون على الظهور فى مظهر الخبير العلامة، مما يتسبب فى مضاعفة الأعراض المرضية، اللافت أن توفلر كتب هذا الكلام قبل ظهور فيس بوك ومواقع التواصل، لكن ما يحدث اليوم تجاوز توقعات توفلر وغيره من علماء المستقبليات.
ولهذا فإن ادعاء الخبرة فى الطب يمكن أن يكون مدمرا، بينما الفتى السياسى والتحاليل الاستسهالية تبدو أقل خطرا.