خلال الفترة الأخيرة كثر الحديث حول تراخيص المواقع الإلكترونية وآليات إصدار هذه التراخيص من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وبهذه المناسبة رأينا وتابعنا تصريحات من جهات إدارية وتشريعية متعددة حول ما هو مسموح وما هو غير مسموح، وقد تركزت أغلب التصريحات عما سوف يتم رفضه أو حظره من المواقع، بينما تراجعت التصريحات حول ما سيتم منحه التصاريح اللازمة، وربما تكون هناك أهمية لإعلان الطرق والآليات التى سيتم بموجبها التصريح والمنح، وأن يكون المنع على سبيل الحصر، وبقواعد عامة مجردة وليس بإطلاق تصريحات ظاهرها التنظيم وباطنها غير ذلك.
وربما يكون الأجدى هو إعلان قواعد عامة مجردة للتصريح للمواقع، وأن تكون ملتزمة بالدستور والقانون، وتخضع لمراقبة القضاء فيما يتعلق بالنشر وغيره، وفى نفس الوقت هناك حاجة لأن تتناول هذه الجهات بجانب المسائل التنظيمية حاجة الإعلام للكثير من المساندة، فى ظل مشكلات هيكلية واقتصادية يعانى منها، فضلا عن أهمية توفير ضمانات مهنية للعاملين فى هذه المواقع بشكل يؤمن لهم حقوقهم فى حالة إغلاق أو توقف هذه المواقع.
وقد أعلن رئيس المجلس الأعلى للإعلام الأستاذ مكرم محمد أحمد أن «الترخيص للمواقع الإلكترونية المهنية، وليس المواقع التى تحرض على التطرف والإرهاب»، وأن المواقع التى تتبع الجماعات المتطرفة لن تحصل على أى ترخيص»، وطالب نواب بالبرلمان بغلق مواقع السلفيين والجماعات الإسلامية التى يرى النواب أنها تمثل خطرا على الأمن القومى ويدعو بعضها للإرهاب، ودعا رئيس اللجنة الدينية فى مجلس النواب لقرارات فورية تجاه المواقع التابعة للتيارات الإسلامية، مؤكدا أن هذه المواقع تعمل على استقطاب الشباب تجاه أفكارهم، وأنه لابد من حجبها على الفور، ووعد بإعداد قائمة بالمواقع التى تعمل لحساب تيارات إسلامية وسلفية وتقديمها للمجلس الأعلى للإعلام لتنظيم الإعلام، وهو نفس ما أعلنه النائب محمد أبوحامد، وكيل لجنة التضامن عما سماه «منصات تقوم هذه التيارات بمخاطبة المواطنين عليها من خلال الترويج وبث أفكارهم الإرهابية»، وأعلن أنه سيعد إحصائية بهذه المواقع التى تبث من مصر، وتقديم بيان عاجل إلى الحكومة و«الأعلى للإعلام» لاتخاذ قرارات فورية تجاهها.
ومع أهمية الحديث عن مواجهة المواقع التى تروج للتطرف، فإن الأمر لا يبدو بهذه البساطة التى نراها فى التصريحات، لأن الأمر بحاجة أكبر إلى تجاوز فكرة المنع إلى دراسة حقيقية وليس مجرد قوائم للمنع، مع الأخذ فى الاعتبار أن تطور أدوات النشر والإعلام وشبكات الإنترنت جعل من مواقع التواصل الاجتماعى منافسا قويا، يصعب السيطرة عليه بمثل هذه الإجراءات والتصريحات، ثم إنه لا يمكن تخيل طلب لموقع إلكترونى يقول إنه سيدعو للتطرف والإرهاب أو للإباحية، وإنما هى طلبات لمواقع إخبارية أو متخصصة، ناهيك عن أن الكثير من المواقع التى يشير إليها المصرحون لا تصدر من مصر وإنما من الخارج، وبالتالى لا توجد أى ولاية قانونية عليها فى مصر، والكثير من المواقع والفضائيات التى تدعو للطائفية والعنصرية والعنف تحصل على تراخيص وتمويل من الخارج، وبالتالى لا تنطبق عليها القواعد الواردة فى التصريحات.
ومع افتراض حسن النية لدى من يطلقون التصريحات ورغبتهم فى حماية الشباب والمواطنين، فإن الأجدى هو وضع قواعد عامة مجردة، ألا تدعو المواقع إلى الإرهاب أو الكراهية والعنصرية أو تمارس التحريض على العنف، ومن يخالفها فإن القضاء يكون الجهة التى تقرر مدى الالتزام بالقانون، وكل هذا يتطلب الحوار والمناقشة مع أصحاب البيت ممن يعرفون عالم الإعلام، وليس فقط من يريد النقوط فى مولد التشريعات الإعلامية، وحتى يصبح الأمر تنظيما وليس فقط تصريحات بلا فاعلية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة