كريم عبد السلام

الإرهاب والتطرف على الطريقة الأمريكية

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
طوال عقود عملت ماكينات الدعاية والتشويه الغربية على حصارنا نحن العرب والمسلمين فى صورة نمطية مشوهة، فالعربى المسلم فى العقل والميديا الغربيين، هو رجل ثرى جدا وسفيه للغاية وشرير وخبيث بالفطرة ولا يمكن التعايش معه، باختصار هو لا يستحق الأموال الكثيرة التى يمتلكها كما يستحق أن تسلب منه وأن يقتل بدم بارد دون البكاء عليه أو الشعور بالأسى حياله، فهو باختصار غير آدمى والعالم أفضل بدونه.
 
زادت على هذه الصفات السلبيية للعربى المسلم فى الذهنية الغربية، سمات المتطرف العنيف والدموى الذى يقتل بدم بارد ويهدد السلام العالمى والراغب فى تدمير الحضارة والمدنية الغربيين، كما أنه متخلف للغاية ويعامل النساء بوحشية ويستعبدهن فى علاقات تبعية بغيضة كما أنه حال امتلاكه السلطة والقوة يستحل اغتصاب النساء غير المسلمات وبيعهن فى الأسواق كرقيق.
 
والحق أن المجتمعات العربية المسلمة فى مجملها لها ثقافاتها المختلفة وبها من أخطاء الفهم المغلوط للدين والتطبيق الرجعى الجامد الكثير، لكن الجماعات المتطرفة المسلحة ومجموعات الإرهاب مثل داعش وجبهة النصرة والقاعدة والإخوان وبوكوحرام وغيرها هى تصميم وتمويل وصناعة غربية مائة بالمائة وتستخدم لهدم الدول والمجتمعات العربية المسلمة من الداخل باستخدام شعارات دينية زائفة وتفسيرات مغلوطة ومفاهيم شيطانية مريضة.
 
وبقدر اعترافنا بوجود أخطاء ومفاهيم ثقافية مغلوطة فى مجتمعاتنا العربية، نندهش من التعمية المقصودة على أشكال التطرف والإرهاب الغربيين خصوصا فى الولايات المتحدة، واستعراض سريع لجماعات مثل كوك لوكس كلان والنازيين الجدد والقوميين البيض والقوميين السود ومجموعات نشر الكراهية ضد الأجانب والأقليات، يوضح أن أشكال الإرهاب والتطرف فى الولايات المتحدة والغرب الأوروبى متعددة ومتشعبة للغاية.
 
وأوضحت دراسة معلوماتية نشرتها مجلة نيوزويك الأمريكية مؤخرا، أن عدد الجماعات العنصرية فى الولايات المتحدة تزايد بنسبة %20 خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، ووصل عدد جماعات الكراهية فى الولايات المتحدة فى عام 2017 إلى 954 جماعة، بزيادة %4 عما كانت عليه فى عام 2016، وبزيادة %20 عما كانت عليه فى عام 2014، وفقا للدراسة، وشهدت جماعات القوميين السود أكبر نسبة للزيادة، فأصبحت 233 جماعة فى عام 2017، بعد أن كانت 193 فى عام 2016.
 
ولعل حالة المواطن الأمريكى سيزار سايوك المتهم بإرسال 14 طردا مفخخا لمعارضى الرئيس ترامب، يمكن أن تكشف بوضوح ما وصلت إليه بيئة التطرف والإرهاب فى المجتمع الأمريكى، مع استمرار دعم اليمين الأمريكى لحرية شراء الأسلحة النارية. سايوك هذا ليس حالة فريدة وليس مجرما فردا، وإنما هو توجه على الضيق بالاختلاف والنزوع لاستخدام العنف خارج إطار القانون تجاه المختلفين.
 
قبل القبض عليه بتهمة إرسال الطرود المفخخة لشخصيات سياسية معارضة لترامب، أعلن سايوك أكثر من مرة رغبته فى تطهير المجتمع الأمريكى من الأقليات غير البيض وغير المسيحيين، كما كان يكره بوجه خاص المهاجرين الذين يأتون للولايات المتحدة ويعملون ويكسبون مالا ليستولوا، على حد تعبيره، على أجود العقارات والأراضى بينما الأمريكيون البيض، أو أصحاب البلد حسب فهمه يعانون من الفقر والتهميش.
 
لا نكون مبالغين إذا قلنا إن الحلم الأمريكى الذى قام على تكافؤ الفرص وفتح المجال أمام المهاجرين من كافة بقاع الأرض، انتهى وحل محله نوع من العنصرية البغيضة والتطرف المحتمى بالعرق واللون والدين، مجتمع أمة من المهاجريين يتحول تدريجيا إلى أمة من الأقليات المتناحرة وهذا ليس رأيا انطباعيا لنا أو تمنيات بزوال إمبراطورية اليانكى، ولكنها كارثة جديدة ستطال العالم أجمع، فالأمة التى قامت على صناعة وتفريخ الإرهابيين لتفجير المجتمعات الأخرى أصيبت فيما يبدو بالمرض القاتل، لكنها مازالت فى مرحلة الإنكار!
 
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة