يأتى انعقاد المؤتمر العالمى الرابع لدور الإفتاء هذا العام حاملًا معه هموم وآمال أمتنا الإسلامية، وما يشغلها من القضايا الشرعية والفكرية، وذلك استجابة للدعوة الكريمة التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى لتجديد الخطاب الدينى بما يأخذ بناصية الأمة نحو الخير، وحماية لها من الأخطار والمكائد التى تتعرض لها وصيانة لهويتها السمحة من التبديل والتغيير.
وينعقد المؤتمر هذا العام بمشاركة العديد من أصحاب العلم والفضل من المفتين والعلماء ورجال الدولة ورواد الإعلام، وذلك تحت عنوان "التجديد فى الفتوى بين النظرية والتطبيق" والذى ينطلق منه المؤتمر لمعالجة بعض المحاور الأساسية التى يندرج تحتها الكثير من القضايا والمسائل التى تشتد الحاجة إليها فى وقتنا الحالى، فيعمل المؤتمر على مواجهتها من خلال وضع التصور الشرعى الصحيح لها والقيام على نشر هذا التصور بين أبناء الأمة وتفعيله، كخطوة من خطوات التجديد وتصحيح المفاهيم والتصدى للفكر المتشدد الذى انحرف بالكثير من أبناء الأمة عن حقيقة الدين وسماحة شريعته.
ومن أهم هذه القضايا التى يناقشها المؤتمر فى فعاليته هذا العام: قضية الاجتهاد الجماعى وأهميتها فى الوقت الحالى. حيث إن طبيعة الحياة فى عصرنا الحالى وما يظهر فيه من القضايا الكلية أو المسائل المستحدثة، تتطلب تضافر جهود أهل العلم للعمل من أجل معالجتها، وتبنى منهج العمل المؤسسى الموحد القائم على التعاون العلمى بين القائمين على أمر الإفتاء فى العالم وبين كل مؤسسات العمل المدنى والتقني؛ حيث إن العمل الجماعى فى مجال الإفتاء والصدور عن حكم ورأى واحد متفق عليه بين من أناطت بهم الأمة مسئولية الإفتاء وأمانته يعطى مزيدا من الأمان والسلامة الفكرية للناتج العلمى فى المسائل والقضايا، فقد حفظ الله هذه الأمة من أن تجتمع على ضلالة، وكذلك يفتح المجال أمام التطبيق الكلى للفتاوى بحيث تتحول إلى منهج حياة لدى جميع المسلمين، فتغلق الأبواب أمام المدعين من أصحاب الفكر المتشدد الباطل غير المؤهلين للفتوى فى أمر خاص أو عام.
فالعمل على تفعيل أمر الاجتهاد الجماعى بين علماء الأمة وتنشيط عمل المجامع الفقهية ونشر توصياتها وآرائها، ونشر العمل التعاونى المؤسسى والتنسيق الدائم، والتواصل بين دور الفتوى ومراكز الأبحاث والهيئات الشرعية، كل ذلك يعمل على خلق رأى عام متحد معتدل موافق لمقاصد الشريعة بين أفراد أمتنا، ويحميها من كل فكر ضال ينحرف بأبنائها عن الطريق المستقيم.
ومن متعلقات قضية الاجتهاد الجماعى التى يعالجها مؤتمر هذا العام مستجدات المسائل فى المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتى تتطلب آراء متحدة يظهر من خلالها الحكم الشرعى لهذه المسائل وفق رؤية معاصرة صحيحة، وتقضى على كل تفرق وتشرذم علمى وفكرى، ويراعى فيها السقف الشرعى المسموح فى تلك المسائل وتحقيق مصلحة المسلمين، بحيث لا يصبح المسلمين منفصلين عن واقع العالم المعاصر ومتطلباته، ولا تتوقف فيه المصلحة نتيجة للفتاوى غير الصحيحة التى تصدر عن غير المتخصصين. وهذا الأمر من أهم محاور تجديد مجالات الفتوى والإفتاء فالشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وبها من الأصول الكلية ما يندرج تحته كل تصور لتحقيق المصلحة البشرية والتعايش مع الواقع بكل متغيراته مع الحفاظ على الثوابت الشرعية.
وكذلك من متعلقات الاجتهاد الجماعى التى يهتم بها مؤتمر هذا العام معالجة النوازل التى تنزل بأمة الإسلام فى وقتها الحالى، والتى هى أكبر من أن يقوم شخص واحد بحمل أمانتها والقيام بها؛ وإنما هى أمانة أهل العلم جميعا من المختصين بأمر الإفتاء والعلماء من أهل كل تخصص، حيث يتعلق بهذا الأمر توجه أمة الإسلام ووحدتها الفكرية والعملية، فهو ضرورة تتعلق بهوية الأمة. فمن خلال تفعيل الاجتهاد الجماعى ينغلق الباب أمام المغرضين، الذين أضلوا الأمة بالفتاوى التى ألصقت بالدين ما ليس منه من التشدد والوحشية وسفك الدماء وشرعنة الخروج على النظام الضابط لبلاد المسلمين، فأضلت الكثير من أبناء الأمة وأدت بهم للسير فى طريق تخريب البلاد. وهذا الاتجاه الجماعى فى أمر الإفتاء هو ما دلت عليه نصوص الكتاب، يقول الله عز وجل:﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾. وكذلك السنة المطهرة، حيث قال نبينا صلى الله عليه وسلم:«يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ». وحال المسلمين وسلوكهم منذ الصدر الأول يدل على ذلك، حيث كان لا يتاح الإفتاء فى أمر العامة إلا لأهل الحل والعقد من المؤهلين فلم تظهر فيهم الفوضى الفكرية التى ألمت بنا فى هذه الأيام.
وتأمل الأمة من المؤتمر العالمى لدور الإفتاء لهذا العام أن تصدر عنه من التوصيات والتوجيهات ما يحقق هذه الغاية من تفعيل أمر الاجتهاد الجماعى بين علماء الأمة، بما يضعه من التصورات والاقتراحات التى تحقق وحدة الأمة الفكرية والعلمية؛ حيث أن هذا الأمر من أهم مجالات التجديد التى يتم بها إحياء معالم الدين وشعائره، فهو من الضرورات التى تحتاجها الأمة وهو صورة من صور المواكبة والمعاصرة المنضبطة بقواعد الشرع ومقاصده فعالمنا اليوم هو عالم العمل الجماعى ولا مجال فيه ولا استمرار للعمل المنفرد، فطريق النجاح هو طريق التعاون وهو يبدأ من التعاون العلمى.
فانظار المسلمين وقلوبهم تتعلق بمثل هذه المؤتمرات تدعو للجميع بالسداد والتوفيق وتبتهل إلى الله أن يوفق قادة الأمة وعلمائها إلى ما يحقق خير البلاد والعباد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة