نفخر دائما بأننا قوة ثقافية عظمى وأن زادنا الثقافى والفنى أسهم بشكل كبير فى تشكيل الذائقة العربية لعقود طويلة وربط المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج بالعاصمة القاهرة، كما نفخر عادة بأن السينما والدراما المصريتين كانتا السبب فى العشق العربى الجامح للحياة المصرية واللهجة المصرية، بعد أن أصبحتا بمثابة السجل الحافل لتفاصيل الحياة اليومية المصرية، كما كانتا وراء رغبة كثير من الأشقاء العرب فى العيش بمصر أو على الأقل قضاء إجازاتهم فيها.
وهنا لابد أن نسأل ونحن نمر بالذكرى الخامسة والأربعين لنصر أكتوبر العظيم، هل كانت السينما والدراما على مستوى ما تحقق من نصر، بل معجزات عسكرية فى أكتوبر 1973؟ السينما تحديدا هل استطاع مبدعوها وصناعها استيعاب ما حققه الجندى المصرى المظلوم فى حرب 1967 من انتصار مبهر؟ هل عبرت السينما عن قدرة الجندى المصرى على استيعاب كل جديد فى السلاح والتكتيك العسكرى خلال 6 سنوات؟ هل استطاعت السينما توثيق المعارك المهمة والفاصلة فى حرب أكتوبر والتى لولاها ما تحقق النصر؟
قدمت السينما المصرية ستة أفلام عن حرب أكتوبر هى «العمر لحظة» و«الرصاصة لا تزال فى جيبى»، و«يوم الكرامة»، و«الوفاء العظيم»، و«الطريق إلى إيلات»، و«يوم الكرامة»، كما قدمت فيلمين فقط عن فترة حرب الاستنزاف التى سبقت انتصار 1973 هما «العصفور» و«أغنية على الممر» وهما من إنتاج العام 1972، وشارك التليفزيون فى إنتاج فيلم «حائط البطولات»، فهل هذا الإنتاج السينمائى الهزيل من عاصمة السينما العربية يمكن أن يشفى غليل الأجيال التى ولدت ونشأت بعد الانتصار وتستمد معلوماتها مما تجده جذابا أو حرفيا أيا كانت جنسيته وتوجهاته الفكرية؟!
بالطبع الإجابة عن السؤال السابق بالنفى، فالسينما المصرية مقصرة إلى حد كبير فى التعبير عن نصر أكتوبر المجيد الذى هو فخر العرب بكل المقاييس والحدث الذى حجم الدولة العبرية ووضع الجيش الإسرائيلى الذى كان يصف نفسه بأنه لا يقهر فى حجمه، كما استطاع المخطط المصرى والقائد المصرى والجندى المصرى فرض تكتيكاتهم العسكرية وأدائهم فى هذه الحرب على كافة المعاهد العسكرية فى العالم.
وفى الوقت الذى مازالت السينما الأمريكية تنتج سلاسل الأفلام المستمدة من الحرب العالمية الثانية ومن حرب فيتنام، أغفلنا نحن أهم المعارك التى نشبت فى حرب أكتوبر وشهدت تفوقا وبطولة استثنائيين من المقاتل المصرى، ومنهما على سبيل المثال معركة المنصورة الجوية، تلك المعركة التى وقعت فى يوم 14 أكتوبر واستمرت 53 دقيقة وشهدت اشتباكا بين أكثر من مائة طائرة إسرائيلية من طرازات فانتوم وسكاى هوك وبين طائراتنا الميج الروسية، ولكن براعة الطيارين المصريين نجحت فى تعويض الفارق التكنولوجى وفارق التسليح بين طائراتنا وطائرات العدو واستطعنا إسقاط 17 طائرة إسرائيلية فوق سماء مدينة المنصورة الباسلة، وأصبح يوم 14 أكتوبر عيدا لقواتنا الجوية.
ومن معركة المنصورة الجوية إلى معركة القنطرة شرق التى شهدت منتهى الدراما العسكرية، فالمدينة التى كانت تحت الاحتلال منذ 1967، بنى فيها العدو أقوى حصون خط بارليف، سبعة حصون مليئة بالسلاح والعتاد ويستخدمها العدو للهجوم على مدن محافظات القناة بالكامل، وكان لابد من اقتحامها وتحريرها، وهو ما تحقق يومى 7 و8 أكتوبر بعد معارك شرسة قادها العميد فؤاد عزيز غالى قائد الفرقة 18 مشاة، بعد حصار المدينة بالكامل ثم اقتحامها من أكثر من جهة وخوض حرب شوارع عنيفة مع جنود الاحتلال، انتهت بسقوط الحصون السبعة المنيعة وأسر أكثر من ثلاثين فردا وضابطا والاستيلاء على كميات هائلة من الدبابات والأسلحة والمعدات، فهل هذه المعركة الملحمية أقل من أن تسجل فى فيلم سينمائى على أعلى مستوى؟!
وللحديث بقية