الحكيم والفيلسوف والمؤرخ والإنسان العادى يعرف أن الذى يكتب تاريخ الدول شيئين هما الحرب والفن، ولا ثالث لهما، خاصة لحظات الحروب لأنها بمثابة نقطة الوضوح الكاملة فى حياة المجتمعات، وما يحدث فى غير هاتين الحالتين يكون مضيعة من حياة الجميع، وبالطبع لو نظرنا إلى العالم لاكتشفنا أن ما عاشه من حروب أو استعداد لها أكثر مما عاشته من سلم أو سعى إليه.
طبعًا أنا لا أدعو إلى مزيد من الحروب، بل على العكس تمامًا أتمنى مزيدًا من السلم بين الدول، وأدعو إلى مزيد من الفن، لكن طالما هذه الحروب حدثت بالفعل، فإنها قد أنتجت الكثير والكثير من الآداب والفنون، فلماذا لا يكون لدينا متحف لآداب الحرب طالما يمكننا أن نجمع أرشيفًا لتاريخ المعارك المصرية.
ما جعلنى أفكر فى هذا الأمر أننى شهدت مؤخرًا مؤتمرًا دارت أبحاثه، بدون قصد، عن كتابات حربى 1967 و1973، وأقول حدث ذلك بدون قصد، لأن كتابة الحرب لم تكن هى موضوع المؤتمر، بل إن ذكرها جاء على الهامش لكنه كان قويًا موحيًا بوجود الكثير، لذا فكرت أن مصر قديمًا وحديثًا تملك مادة عظيمة فى هذا الشأن، فلماذا لا تتم الاستفادة منها.
نحن لدينا نصوص مصر القديمة وما ذكره الفراعنة والمؤرخون عن معركة قادش ومعركة التحرير ضد الهكسوس، وما حدث بعدها عبر هذا التاريخ الإنسانى الطويل حتى العصر الراهن، وهى كفيلة بأن تقدم صورة كاملة فى هذا الشأن.
طبعًا ليس الغرض من إنشاء مثل هذه المتاحف تكريس فكرة الحرب، لكن هدفها بجانب البحث فى الجمال، البحث فى مواطن القوة داخل المجتمعات، فعندما يزور تلاميذ المدارس أماكن الحروب أو يقرأون عنها أو يرون تراثها الإبداعى فإن ذلك لا يجعلهم عنيفين لكنه يجعلهم أكثر حبًا للوطن، وأكثر تمسكًا به ودفاعًا عنه، وربما ينصفنا علماء الاجتماع وعلماء النفس فى ذلك ويؤكدون ما نذهب إليه.
لن يكون هذا المتحف قاصرًا على الكتابة، لكن تخيلوا لو ضم المتاح من الفنون الأخرى، الجداريات والنقوش والفن التشكيلى والموسيقى والسينما وكل إبداع له علاقة بالحرب ويعمل على تقديم صورة متكاملة لهذه الحالة التى يزداد فيها الإحساس بقيمة الوطن.
وشىء آخر لا يقل أهمية عن إنشاء المتحف نفسه هو أن يكون بعيدًا عن القاهرة، وليته يكون فى محافظة صعيدية مثل المنيا أو أسيوط، بعيدًا عن العاصمة وصخبها.