شهد المشهد السياسى فى بريطانيا وأوروبا والولايات المتحدة تغيرات كبيرة خلال العامين "المظلمين" الماضيين، حيث استولى على مقاليد الحكم أنظمة تميل إلى الشعبوية والخوف من الأجانب ومناهضة مبادئ الاتحاد الأوروبى، والابتعاد عن الليبرالية.
ورغم أن انتخابات التجديد النصفى الأمريكية لم تبتعد كثيرا عن هذا الاتجاه، إلا أن التقدم الذي أحرزه الليبراليون الأسبوع الماضي يتحدى ترويج الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب لنفسه باعتباره المنتصر الوحيد، بل يجعل حديثه عن ذلك سخيفا، بحسب ما قاله الكاتب ويل هوتن، فى مقال له بصحيفة "الأوبزرفر" البريطانية.
وأوضح أن ترامب كان يصر على "تحقيق نصر شبه كامل" في الساعات التي تلت إغلاق صناديق الاقتراع ولكن فقد الجمهوريون سيطرتهم على مجلس النواب، وبدأ يظهر نوع من الإجماع الفوري على أن موجة الديمقراطيين المأمولة أكثر من مجرد تهديد. ورغم أن الديمقراطيين لم يفوزا كما كانوا يأملون بعدد المقاعد في مجلس النواب ، في حين عزز الجمهوريون قبضتهم على مجلس الشيوخ، إلا أن ما حدث يغير المشهد السياسى الأمريكى.
ويرى الكاتب أن انتخابات التجديد أظهرت تراجع احتمالات إعادة انتخاب ترامب فى 2020 رغم أنه قام بحملة قوية، ولكن الأهم من ذلك، ارتفعت نسبة المشاركة فى انتخابات التجديد لعام 2018 بشكل لم تشهده منذ 1966، حيث شهدت أكبر نسبة مشاركة مع تزايد الإقبال وكانت أكثر هذه الأصوات الجديدة لصالح الديمقراطيين، الذين فازوا في بعض معاقل الجمهوريين بالضواحي الثرية لتتضاعف بذلك مكاسب الحزب الديمقراطى فى مجلس النواب ، وذلك وفقا لتحليل لنتائج الانتخابات.
ويرى ويل أن هذا أكبر انقلاب في التصويت منذ عقود، لاسيما وإنه يحدث في عام يشهد ازدهارا في الاقتصاد.
وأشار هوتن كما أن الصورة في مجلس الشيوخ ليست مثلما يرسمها الجمهوريون الذين كسبوا مونتانا بعدما ظنوا أنهم فقدوها وأخذوا أغلب الأصوات في نيفادا، حيث سيطر الديمقراطيون على أغلب المدن الكبيرة في الولايات المتحدة، وصوتت نسبة 60 % من النساء لهم، وهذا دليل، حسب الكاتب، على أن الأغلبية الساحقة من الأمريكيين لم يقولوا كلمتهم في هذه الانتخابات لأن ولايات ريفية مثل وايومينج وداكوتا الشمالية التي يبلغ عدد سكانها نحو مليون نسمة يمثلها عدد من النواب في مجلس الشيوخ مثل ولايات كبيرة بحجم كاليفورنيا وعدد سكانها 40 مليون نسمة.
واعتبر الكاتب أن رسالة انتخابات التجديد النصفى هى أن النتيجة ليست ما يريده أغلب الأمريكيين أو ما يؤمنون به، فثقافة الأغلبية حرمت من التعبير الكامل عن رأيها بسبب النظام الانتخابى الأمريكى.
وأضاف أن ما يعزز ذلك، هو إنشاء مناطق اصطناعية ذات أغلبية جمهوريّة ، وقمع أصوات السود والسجناء السابقين.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز البريطانية قالت فى تقرير سابق لها إنه بموجب النتائج النهائية للانتخابات، والتى أسفرت عن سيطرة الديمقراطيين على النواب، لم يعد أمام ترامب سوى خيارين لا ثالث لهما، إما التفاوض والمهادنة أو اتخاذ طريقه المعتاد من الصدام وهو ما قد يسفر عن حرب حزبية داخل الكونجرس هى الأشرس لتعرقل الكثير من خطط وسياسات البيت الأبيض التى يعترض عليها الديمقراطيين منذ وصول ترامب للمكتب البيضاوى.
وفى ظل الشكل الجديد لمجلس النواب حيث خطف الديمقراطيون الأغلبية بالاستيلاء على 218 مقعدا مقابل 193 للجمهوريين، فأن مجلس النواب ربما يضغط بشكل أكثر عمقا فى القضايا الشخصية والسياسية المتعلقة بترامب، ويطالبه بالكشف عن العائدات الضريبية التى ظل محتفظا بها سرا، فضلا عن التحقيق بشكل أعمق فى علاقاته مع روسيا وبحث أى تضارب فى المصالح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة