ماذا يحدث بالضبط على الأراضى الفلسطينية؟ سؤال ليس له إجابة واحدة بل عديد من الإجابات، إجابة تخص الفلسطينيين الذين يتعرضون للقصف الإسرائيلى ومازالوا مشغولين بحلم المقاومة والبحث عن السلام العادل ويخبئون فى قلوبهم مفاتيح بيوتهم التى تهدمت بالقدس ومحيطها، وإجابة أخرى تخص أبومازن الذى شارك فى وضع القضية الفلسطينية فى فريزر تل أبيب وقضى أيامه على كرسى الرئاسة مثل رجال الأعمال يبحث عن المكاسب المالية وتضخم الأرصدة فى البنوك الخارجية ويعتبر الخسائر على مستوى الاصطفاف الوطنى أو احتلال ومصادرة إسرائيل مزيدا من الأراضى أو تكريس العداء مع حماس نوعا من الخسائر الهامشية، وإجابة ثالثة تخص قادة حركة حماس الإخوانية وإدارتها المسمومة والانتهازية لملف المقاومة، وكيف تستخدم دماء الشهداء ليتربح قادتها ملايين الدولارات من إيران وقطر وتركيا، مع الاستعداد دائما للجلوس فى مفاوضات سرية مع من يعتبرونه العدو الإسرائيلى لعقد صفقات تخص الحل المنفرد لدولة غزة ومطارها ومينائها، تماما كما تتصور إسرائيل مستقبل الدويلة الفلسطينية الفقيرة والمعزولة.
أما الإجابة الرابعة فهى تخص قادة إسرائيل الذين يتعاملون مع الملف الفلسطينى باعتباره ملفا دينيا وعسكريا مقدسا، فهم لا يقبلون أبدا بعودة الاصطفاف الفلسطينى ووحدة الصف الوطنى ويهددون أبومازن وقادة حماس بالخلع والابتعاد عن السلطة حال الاقتراب من الطرف الآخر، كما تسعى تل أبيب دائما إلى المضى فى مسارين متوازيين، الأول ابتلاع مزيد من أراضى الضفة الغربية وتسخين جبهة غزة، للتأكيد أمام العالم أن القضية الفلسطينية هى قضية غزة فقط، أما سائر الحقوق الفلسطينية الأخرى مثل حق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية واعتماد القرارات الأممية الخاصة بحدود الدولة الفلسطينية والعودة إلى أوضاع الرابع من يونيو 1976، فهى تحيلها إلى ملف تبادل الأراضى فى أى مفاوضات مستقبلية مع حماس أو مع أبومازن وقيادات رام الله!
هل هناك إجابات أخرى بالله عليكم؟
تابعوا المشهد قليلا لتجدوا أبومازن يعلن وجود مؤامرة من حركة حماس لتعطيل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مع وجود مؤامرة أمريكية تتمثل بصفقة القرن ومؤامرة إسرائيلية لتنفيذها، وبناء على هذه المؤامرات الخطيرة قرر المجلس المركزى لحركة فتح اتخاذ إجراءات حاسمة فى الأيام المقبلة مع الجهات الثلاث حماس وواشنطن وتل أبيب، مع الإبقاء على الأبواب مفتوحة لأن أبومازن والذين معه ليسوا مقفلى العقول.
من ناحية أخرى، وقبل القصف الإسرائيلى مباشرة على غزة، كشفت تقارير إعلامية عن ضخ أموال قطرية فى شرايين قطاع غزة لتقوية موقف حماس التى تسيطر على القطاع، ووصلت ملايين الدولارات القطرية إلى مطار «بن جوريون» بالتنسيق مع تل أبيب، قبل أن تنتقل إلى غزة براً معبأة فى حقائب بسيارة السفير القطرى محمد العمادى عبر معبر إيريز بيت حانون شمالى القطاع، مع التأكيد على أن أجهزة الأمن الإسرائيلية راجعت قوائم الموظفين الذين تم صرف مرتباتهم بتمويل واتفاق قطرى،
وفى الوقت نفسه أعلن جيسون جرينبلات المبعوث الأمريكى الخاص للشرق الأوسط، أن إدارة الرئيس ترامب، تستعد لإطلاق صفقة القرن خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن المفاوضين الأمريكيين دخلوا المرحلة النهائية قبل تدشين الخطة رغم مقاطعة بعض الفلسطينيين لها، وأن الولايات المتحدة ستوصى بتقديم تنازلات من الطرفين، لكنها لن تسعى لفرض اتفاق، واعتبر الشق الاقتصادى من الخطة هو الشق الأهم، أى أن صفقة القرن المزمع تدشينها خلال أيام أو أسابيع يحكمها قانون العرض والطلب والبيع والشراء والمفاوضات التجارية وعقليات رجال الأعمال أو سماسرة العقارات فى نيويورك.
حاولوا معى تجميع شظايا المشهد الفلسطينى وتقاطعاته مع واشنطن وتل أبيب، فستجدون كلمة السر فى قيادات المقاومة التى تحولت إلى رجال أعمال يتاجرون فى كل شىء من الأراضى إلى دماء الشهداء، فكيف إذن لا تغير صفقة القرن شعار المفاوضات الإسرائيلية العربية الراسخ «الأرض مقابل السلام» ليصبح «الأموال مقابل السلام»؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة