"منذ أعلنت عن "تحولى" إلى الألوهية طلب منى فى مناسبات كثيرة جدًا بيان أسباب تغيير وجهة نظرى، أشرت فى عدة مقالات متتابعة وكذلك فى مقدمة طبعة 2005 من كتابى "الإله والفلسفة" إلى الأعمال الحديثة المتعلقة بالنقاش حول وجود "الإله" ولكننى لم أبين وجهة نظرى فى ذلك، أما الآن فقد وصلت إلى قناعة بأن أعرض ما يمكن تسميته وصيتى وشهادتى الأخيرة وباختصار وكما يدل عليه عنوان الكتاب فأنا أعتقد الآن بأن هناك إلها".. هذا ما قال الفيلسوف أنتونى فلو فى مقدمة كتابه "هناك إله" ترجمة صلاح الفضلى.
أهمية كتاب "هناك إله" تأتى بالدرجة الأولى من جهة مؤلفه، فكما يشیر عنوان الكتاب الفرعى فإن المؤلف أنتونى فلو كان واحدا من أكبر الملاحدة فى العصر الحالى.
وبالتالى فإن تجربة أنتونى فلو التى استمرت أكثر من خمسین سنة فى الإلحاد وكتابته للعديد من الكتب التى تؤيد الموقف الإلحادى وخوضه العديد من المناظرات التى تدافع عن الإلحاد ثم تحوله بعد كل ھذه السنین إلى الإيمان بوجود الإله لابد أن يضیف مصداقیة كبیرة لما سیقوله فى ھذا الكتاب.
يقول أنتونى فلو "خلال أكثر من خمسين سنة لم أنكر وجود إله فحسب، بل أنكرت أيضا وجود حياة بعد الموت، ومحاضراتى التى نشرت فى كتاب "منطق الفناء" والتى تمثل خلاصة عملية التفكير هذه شاهدة على ذلك".
ويتذكر "فلو" طفولته فيقول "كان الذهاب إلى الكنيسة وترديد الصلوات وبقية الطقوس الدينية بالنسبة لى بمثابة مسئولية ثقيلة، ولم أشعر على الإطلاق برغبة ولو قليلة بالاقتراب من الإله. لا أستطيع أن أجيب لماذا كنت غير مهتم بالطقوس الدينية وبقية الأمور التى شكلت حياة والدى. ببساطة. لا أتذكر أننى كنت أشعر باهتمام أو حماسة لهذه الاحتفالات، ولم يكن عقلى مأسورا ولا قلبى مولعا بالدراسة الكنسية أو بالعبادة، ولا أدرى إذا ما كانت عدم حماستى للدين فى أيام شبابى سبب أم نتيجة؟ ولكن أستطيع القول إن أى قدر من الإيمان كان موجودا لدى عندما دخلت مدرسة كنجزوود كان قد تلاشى عندما تخرجت منها.
يقول أنتونى فلو "لقد قلت فى بعض كتابات الإلحادية المتأخرة أننى وصلت إلى نتيجة بشأن عدم وجود إله بصورة متعجلة جدا، وبشكل مبسط جدا، والذى تبين لى فيما بعد أنها كانت أسبابا خاطئة، لقد كررت استخدام هذه النتيجة الخاطئة بشكل متكرر ومفصل فى مناقشاتى وكتاباتى، ولكن بعد سبع سنوات من ذلك، لم أجد أى أساس كاف لتسويع هذا الموقف الأصولى، أحد الأسباب المبكرة لتحولى إلى الإلحاد كان مشكلة وجود الشرور فى العالم.
يقول أنتونى فلو "فى عام 2004 أعلنت انتقالى من الإلحاد إلى الإيمان، ونشرت كتاب "فرضية التوحيد" .
ويقول فلو "إن تراجعى عن الإلحاد لم يكن بسبب أى ظاهرة أو حجة جديدة، فخلال العقدين الماضيين كان مجمل الإطار الفكرى لى فى حالة تبدل، وكان هذا نتيجة تقييمى المستمر لأدلة الطبيعة، وعندما وصلت فى النهاية إلى الإيمان بالإله، لم يكن ذلك تبدلا للنموذج الإرشادى، فنموذجى الإرشادى ما زال على حاله، وهو كما قال أفلاطون فى الجمهورية على لسان سقراط "يجب أن نتبع الدليل حيثما ذهبنا".
المنطق الذى وصل إليه "فلو" هو أن "أصل الحياة لا يمكن تفسيرة بالمادة فقط، وذلك لأن ثلاثة أبعاد من البحث العلمى كانت على وجه الخصوص مهمة بالنسبة لى، على ضوء الأدلة المتداولة اليوم، أول هذه الأبعاد هو السؤال الذى حير ولا زال يحير الكثير من العلماء اللامعين، وهو من أين جاءت قوانين الطبيعة؟ والثانى هو السؤال الواضح للجميع: طيف جاءت الحياة من اللاحياة. والثالث وهو السؤال الذى يوجهه الفلاسفة لعلماء الكون: كيف جاء الكون، بكل ما يحتويه من أشياء مادية، إلى الوجود؟
ولد الفیلسوف البريطانى أنتونى ريتشارد فلو فى فبراير من عام 1923، وھو ينتمى إلى تیار الفلسفة التحلیلیة واشتھر بكتاباته فى فلسفة الأديان، وقد قام بتألیف أكثر من 30 كتابا أغلبھا فى محاولة دحض فكرة الدين واشتھر عنه مقولته أن على المرء أن يظل ملحدا حتى يجد الدلیل التجريبى على وجود الإله، غیر أنه وفى أواخر حیاته غیر قناعاته، وفى عام 2004 وخلال مناظرة فلسفیة أعلن عن تحوله إلى التوحید وتخلیه عن الإلحاد، وقام بتألیف كتاب نسخ فیه كل كتبه السابقة، وھو
الكتاب الذى بین يدينا. على أثر إعلانه لتحوله عن الإلحاد، تعرض فلو لحملة تشھیر ضخمة من المواقع الإلحادية فى العالم، وذلك لأنه ولخمسین عاما كان يعتبر من أھم منظرى الإلحاد فى العالم، وقد شكل خبر تحوله إلى الفكر الإلهى صدمة قوية فى وسط الفكر الإلحادى فى العالم. توفى الفیلسوف أنتونى فلو فى عام 2010 عن عمر يناھز السابعة والثمانين.