بالرغم من مرور أكثر من 15 عاما على غزو العراق، و13 عاما على إعدام الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، تظل هناك الكثير من الأسرار والتفاصيل حول الغزو الأمريكى وتداعياته، فضلًا عن شخصية الرئيس العراقى، ومدى الحقائق والأساطير حول شخصيته، وكيف تعاملت المخابرات المركزية الأمريكية مع المعلومات حول صدام، وتعمد نشر معلومات خاطئة حول صدام وحياته ونشأته. وهى قصة ساهمت فى صناعتها المخابرات مع وسائل الإعلام الأمريكية. من صحف وقنوات تليفزيون.
وبعد مرور كل هذه السنوات وتوالى اعترافات مسؤولين أمريكيين مثل كولن باول وتونى بلير، ممن شاركوا فى عملية الغزو بأنهم اخترعوا أدلة إدانة صدام، فقد تواصلت الشهادات التى تضيف المزيد من التفاصيل وتربط بين داعش وفوضى الشرق الأوسط ودعم الولايات المتحدة للاستبداد والصراعات، وكيف تصنع شياطين وملائكة من الحكام حسب الهوى، وليس لأهداف ديمقراطية أو نزع السلاح.
واحدة من الشهادات المهمة تأتى شهادة جون نيكسون، مسؤول المخابرات المركزية «سى. آى. إيه» السابق، والذى كان أول مسؤول يقابل «صدام» بعد القبض عليه فى ديسمبر2003، ويستجوبه طوال أسابيع، وسجل نكسون شهادته فى كتابه «استجواب الرئيس». والذى يقدم صورة مختلفة عن صدام، وعن عقلية الاستخبارات الأمريكية التى صنعت صورة عن الرئيس العراقى الأسبق.
نكسون كانت مهمته بالمخابرات من 1998 دراسة شخصية صدام، وبعد القبض على صدام وبسبب شائعات عن وجود أكثر من شبيه له تم استدعاء نيكسون، ويقول: «مجرد أن رأيته، تأكدت أنه صدام». بل أن نكسون يذكر بنوع من السخرية الكثير من الأساطير التى صنعتها المخابرات الأمريكية عن صدام، ومنها قصة وجود عشرات الأشخاص يمثلون دور الشبيه، وبعد أن يتعرف جون على صدام ويسأله عن قصة البدلاء يرد بسخرية: هل عثرتم على أى بديل.. لا يوجد سوى صدام حسين واحد. ولا ترجع أهمية شهادة نكسون فقط إلى كونها تنسف فكرة أسلحة الدمار أو مشاركة صدام فى هجمات سبتمبر، لكنها تكشف كيف تصنع المخابرات مع وسائل الإعلام قصصا وصورا وحكايات لا أساس لها من الواقع، ويتم كل هذا بتعمد.
ويقول نكسون إنه اكتشف أن المخابرات المركزية تحتفظ بتقارير عن صدام، منقولة من صحف تابلويد صفراء مثل قصة زواجه من راقصة، نشرتها الصحف وتناولتها محطات التليفزيون، وأبدى نكسون دهشته من اعتماد أكبر جهاز مخابرات فى العالم على تقارير وهمية لا أساس لها. حيث أفرط الإعلام فى نشر مقابلات مع الراقصة المزعومة وهم يعرفون أنها كذبة كبيرة.
ويكشف نكسون عن وهم آخر روجته المخابرات المركزية والإعلام الأمريكى، عندما أرجعت ما اعتبرته عنف صدام إلى أنه كان يتعرض للضرب من عمه وزوج أمه بعد رحيل والده، وعندما يسأل صدام عن ذلك يقول له ضاحكا: لقد كان عمى صديقا لى وكنت كاتم أسراره، بل أنه هو الذى نصحنى بترك تكريت إلى بغداد.
نيكسون أجرى تحقيقا مطولا مع صدام ويقول: «صدام كان من أكثر الشخصيات المؤثرة فى حياتى، لديه القدرة على أن يكون مبهرًا، ولطيفًا، ومضحكًا، ومهذبًا عندما يريد.. لكنه يصبح متغطرسًا وبذيئًا عندما يغضب».
ويعترف نكسون أن استجوابه لصدام أكد خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، وعندما حاول إطلاع الرئيس جورج دبليو بوش على نتائج التحقيقات، اكتشف أن بوش لم يكن مهتمًا وأنه «كان معزولا عن الواقع.. يجلس وسط مستشارين يقولون له نعم».
ويرى نكسون أن إدارة بوش لم تفكر فى تداعيات إسقاط العراق، وظهور تنظيمات متطرفة مثل داعش، ويتساءل عما إذا كان وضع المنطقة سيكون أفضل حال بقاء صدام، بل إنه يرى الفوضى الجارية نتاجًا لسياسات المخابرات الأمريكية، وأن بوش لم يطارد الإرهاب بعد 11 سبتمبر، خاصة أن صدام كان يعتبر القاعدة والسلفيين السنة من أعدائه بل إنه أبدى تفهمًا لسياسات صدام فى مواجهة مؤامرات حقيقية ثبت أنها حقيقية لاغتياله وتفكيك العراق لصالح إيران. بل إن نكسون يكشف عن صدمة الرئيس العراقى من صفقة إيران كونترا التى باعت فيها أمريكا السلاح لإيران. وكيف صنعت أمريكا الفوضى وتركتها قائمة.