مشغولون نحن، طوال الوقت، بالتكريس لظواهر لا تستحق، نبدأ بملاحظتها ثم نقدها لكن النقد يتحول فى الحقيقة إلى ترويج للظاهرة، ثم ننتقل إلى المرحلة الثانية وهى أن نفاجأ بعد انتشار هذه الظواهر كأننا لم نكن شركاء فى صناعتها، والمرحلة الثالثة هى تبادل الاتهام تحت سؤال من صنع ذلك وروج له؟
لكن السؤال الذى يشغلنى حقا، هل ننتقم لأنفسنا بالترويج للظواهر السلبية فى الكتابة والفن؟ هل نريد أن نعاقب أنفسنا؟ هل نواجه المواد التى فرضتها علينا السوشيال ميديا ورجال الأعمال وصناع البهجة الزائفة بمزيد من السقوط فى الفخ عن وعى كامل بحجم الكارثة المقبلة؟ هل نريد أن نقول لمروجى اللافن "لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا"، كما قالها الشاعر القديم عمرو بن أم كلثوم؟
أعتقد ذلك، نحن نسعى بكل اجتهاد لنقول نحن نعرف القبح ونصنعه لأننا تستحقه ولأنكم أيها المتحكمون فى ثقافتنا وجمال أرواحنا لا تعرفوننا، لذا سوف نفاجئكم تماما، سوف نبحث فى أعماق اللافن ونأتى لكم من جحور الجحور بما لا تعرفون أنتم.
أنا لا أدين أحدا ، فكم من مرة ضبطت نفسى أعيد وأزيد فى مهرجان تافه لا موسيقى ولا كلام لا رؤية ولا دلالة، فقط لأننى كنت حانقا على شيء آخر.
بنظرة سريعة إلى صناعة الفن فى مصر خلال السنوات العشر السابقة يمكننا بسهولة رصد الأعمال الجيدة خلال تلك الفترة وهذا هو قمة الفشل، لا أقول إن الذوق انحدر، لأن مسألة الذوق نسبية، ولأن الإبداع الهابط موجود منذ قديم، لكنه مؤخرا صار مسيطرا، لقد قفز العالم بعد الألفية الجديدة، وقفزنا نحن أيضا، لكن قفزتنا كانت فى الفراغ.
صرنا لا نملك مفهوما للجمال، تسيطر علينا أفكار غريبة بنسبية كل شيء، وفى ظنى أن النسبية يحكمها منطق ما، هناك شىء فى قلب الفوضى "منتظم" لكن أن تكون الأمور عشوائية فذلك ليس له علاقة نسبية الجمال والرؤية، إنه البحث عن الاختلاف، وهو ليس بالأمر الحميد طوال الوقت، لأن الاختلاف المطلوب هو الذى يتحرك بنا ناحية المعرفة أو ناحية الإضافة، فما فائدة المختلف أن أصنع قيمة للهدم والخراب.
فى كل يوم نفاجأ بأغنية أو بكتاب أو بتشويه لتمثال لا علاقة لهم بالجمال ينتظرون فقط أن تشن حملة ضدهم كى يأخذون مكانهم فى تاريخ البشر البسطاء ويتحولون إلى نجوم الساعة، لذا فى رأيى إن رأى أحدكم شيئا سيئا فليخفه، لا يعلق عليه بخير ولا بشر، لا يذيعه ولا يشيره بل يكتمه حتى الموت.