«يمثل التطرف الإسلامى فى العراق وسوريا تحت راية داعش فاجعة، ما كانت الولايات المتحدة ستواجهها لو كانت مستعدة للتعايش مع صدام حسين..» هكذا يقدم جون نيكسون محلل القيادات فى وكالة الاستخبارات الأمريكية والذى استجوب صدام حسين بعد القبض عليه، كتابه «استجواب الرئيس» ويكشف فيه نيكسون الكثير من التفاصيل والأسرار عن شخصية صدام، وعن أخطاء الولايات المتحدة التى قادت إلى ظهور داعش والحالة التى انتهت لها العراق كدولة فاشلة.
يقول جون نيكسون: «لا أحتاج للتنويه بأن صدام لم يكن بريئا من التهم التى وجهت إليه، كان ديكتاتورا عديم الرحمة، اتخذ أحيانا قرارات أقحمت المنطقة فى الفوضى وسفك الدماء، لكن مع مراجعة أحداث الماضى، فإن تأمل صدام حسين وهو فى السلطة يكاد يبدو مطمئنا بالمقارنة مع الأحداث الشنيعة والجهود الضائعة للجيش الأمريكى ناهيك عن 3 آلاف مليار دولار أنفقت حتى على لبناء عراق جديد انتهى للفشل.
شهادة نيكسون صدرت فى عام 2017، بعد 13 عاما على الغزو، ويركز فى مقدمته على اعتبار الفوضى فى الشرق الأوسط نتاجا مباشرا لغزو العراق، وتفكيك الجيش والمؤسسات العراقية، ويشير إلى أن الأحداث الكبرى تظهر نتائجها بعد سنوات وربما عقود، لكن نيكسون يرصد عملية بناء أساطير وهمية من خلال تقارير مغسولة وقصص مختلقة، ويبدى دهشته من أن يكتشف أن الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش كان يعتمد فى رؤيته لصدام على تقارير مأخوذة من قصاصات صحف صفراء ويسلط الضوء على ما جرى من صناعة أكاذيب وتصديقها وترويجها فى الصحف والمحطات التليفزيونية.
بعد أن يجلس ليحقق مع صدام يصل جون نيكسون إلى نتيجة أن أمريكا أساءت فهمه وفهم دوره كعدو، حازم للإرهاب الدينى، ويرى أن الإطاحة بصدام خلفت فراغا فى السلطة حول الخلافات الدينية فى العراق إلى حمامات دم طائفى.
ويرصد ما جرى فى المنطقة طوال سبع سنوات حتى 2017، ويرى أن ما حدث هو سقوط عشرات الآلاف من القتلى وملايين المشردين ومليارات من الأموال التهمتها حرب فوضوية ركبها الإرهاب فى العراق وسوريا وليبيا، ويتساءل: هل كانت هذه السلسلة من الأحداث ستحصل لو بقى صدام أو خليفته فى السلطة؟ يقول: الجواب سيبقى فى عالم الغيب، لكن المؤكد أنه لو لم يتم حل الجيش العراقى، لما كان العديد من قادته سينضمون لداعش ليزودوا المتطرفين بخبراتهم العسكرية المميزة ويرى نيكسون أنه لو لم يتم الغزو الأمريكى ربما ظل العالم العربى محبطا تحت قبضة أنظمة متسلطة قابلا للاستمرار والتغيير البطىء بدلا من فوضى حولته إلى واقع يغلى بآلاف الضحايا وأنهار الدم.
ويعترف جون بأن أمريكا افتقدت إلى فهم العراق، بشكل يعكس خللا خطيرا فى سياسات أمريكا وعدم تقييم للنتائج، كما يتطرق نيكسون لعائلة صدام، وكيف أن صدام لم يتحدث عن زوجاته بشكل كبير، بينما اعترف ضمنياً بوجود ولد له من زوجته الثانية سميرة شهبندر، لكن المؤلف يكشف عن قصة اخترعتها المخابرات عن زوجة ثالثة ظهرت قبل الغزو واختفت بعدها، كما يقول «أثناء استجوابنا الرسمى لصدام سألناه إن كان يوما قد استخدم بديلا عنه، فضحك وقال لنا: كيف تعرفون أنكم لا تتحدثون مع أحدهم الآن؟ قد أكون أنا البديل بينما يكون صدام الحقيقى مختبئا»، ثم ضحك ثانية بصوت عال وقال: «لا يوجد غير صدام حسين واحد»، ويبنى جون نيكسون على هذه النتيجة ليكشف أن الكثير من المعلومات التى احتوتها تقارير المخابرات الأمريكية تخلو من المعلومات الصحيحة، ويكشف نيكسون أن قائد القوات الأمريكية الأدميرال «ماك ريفين» طلب من صدام أن يصدر بيانا يطالب فيه المقاومة العراقية بوقف الهجمات ضد الأمريكان لكنه رفض ولما سأله المحقق قال: «كرامتى لا تسمح بذلك».
ويصر جون نيكسون، محلل المخابرات المركزية، على أن اجتياح العراق مبنى على معلومات خاطئة، وكان أحد أسوأ القرارات السياسية فى العصر الحديث وتداعياته ستستمر لعقود.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة