راح الأصدقاء يرسلون لى عبر وسائل التواصل الاجتماعى أغنية المطرب المبدع محمد قنديل: «حلاوة زمان.. عروسة حصان» بمناسبة ذكرى مولد، خير الأنام النبى صلى الله عليه وسلم، ومع انسياب الأغنية أغمضت عينى، واستدعت الذاكرة لحظات لا تنسى من زمن طفولة ولى، كانت فيه الدنيا غير الدنيا، وكانت السعادة فيه تنبع من القلب، وكنا نرضى بالقليل البسيط، ولكن مردوده الاجتماعى كان أعظم، أتذكر أمى ونحن نقف عند البائع قبل المولد بأيام: انت ولد يبقى لازم تجيب فارس على حصان، وأختك بنت يبقى تشترى عروسة.. لم أكن أقتنع بهذه التفرقة، العروسة كانت أكثر زخرفة، وأكثر إبداعا، مبهرة بالأوراق الزاهية الملونة، لم تكن حلوى المولد كما هى اليوم، كانت «كف» حمصية، و«كف» فولية و«كف» سمسمية، والبعض كان يطلق عليها حلاوة علف. بجنيهات قليلة كانت الأسرة تسعد، ولا بد أن يهادى العروس عروسته بـ«عروسة» الآن لم نعد نرضى بالقليل، ارتفع سقف الأحلام، وفاق مستوى الإمكانيات، سواء على مستوى الأفراد أو الدولة، وأصبحت علبة حلاوة المولد بعدة آلاف من الجنيهات، ودخلت عليها قائمة الرفاهية من الفستق وجوز الهند والملبن «أشكال وألوان»، زاد حجم وشكل وقيمة علبة حلاوة المولد، وانخفضت بركتها، وتراجع الإحساس بها وبقيمتها، حصا، أو عروسة زمان كانت أفضل من علب حلوى اليوم.
فى كل الأحوال ليس هذا ما أريد أن أتحدث فيه، ولا حتى فى الخلافات الفقهية السنوية حول بدعية حلوى المولد من عدمه، أو حتى شرعية إحياء ذكرى ميلاد النبى محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنى أريد أن أستغل الفرصة، وأدعو لاستغلالها لكى تكون أساسا قويا، لو أردنا، لتغيير الخطاب الدينى، وذلك بالحديث عن جانب مشرق ربما لا خلاف عليه بين كافة المذاهب، وهناك شىء من الاحترام تجاهه حتى من علماء ومستشرقى الغرب، وهو أخلاق النبى الذى أدبه ربه فأحسن تأديبه، وكان حقا وقولا وفعلا قرآنا يمشى على قدمين، نستغل الفرصة ونطلق دعوة للتأسى بأخلاقه الكريمة التى جعلت حتى أعداء الدعوة الإسلامية فى مهدها يقرون له بالأخلاق، وبأنه الصادق الأمين.
تعالوا نحيى ذكرى خير الأنام بأشياء كثيرة، أولها بتغيير خطاب السيف إلى خطاب «وجادلهم بالتى هى أحسن»، وبـ«أنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء» وبـ«لست عليهم بمسيطر» و«من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وأن يحسن كل منا إلى أهله وجاره، ونبتسم فى وجوه بعضنا البعض، تعالوا نعفوا عمن أساء إلينا، وننحى السيوف والخناجر جانبا، شاهدوا ماذا فعل الرسول الخاتم بمن نكلوا به وباتباعه يوم دخوله مكة فاتحا، قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، ولو كان فعل غير ذلك وكان يوم الملحمة وسالت الدماء أنهارا فى مكة، فلا عذر عليه وهو الفاتح العظيم الذى قرر أن ينكل بأعدائه، ويسقيهم كأس المرار، أدعوك أن تحيى ذكرى النبى بالسلام على جيرانك فى المنزل والعمل، سلام المسلم الذى يسلم الناس من أذى لسانه ويده سلم على أخيك أو أختك، وأقاربك، بعضنا يقطع الأرحام، ويذهب للحج والعمرة، ويذهب للمسجد.. أنى لله أن يقبل عبادة من قاطع رحم؟! أخلص فى عملك، تكن مخلصا لرب محمد الذى أمرك بالإخلاص وبالعمل.
تعالوا نحتفل بجد احتفالا عالميا بذكرى خير من انشقت عنه الأرض، ونصدر للعالم الصورة الحقيقية للنبى محمد وللإسلام السمح المحب للحياة ولإعمار الأرض، الذى لم يدعونا فى رسالته يوما لمعاداة الآخر أو محاربته دون سبب.. تعالوا ننتهز الفرصة لنقول للدنيا هذا هو الإسلام السمح: إسلام ابن رشد، وإسلام محمد عبده، والعزالى، وعبدالحليم محمود، والشيخ الشعراوى، لا تتركوهم يتحدثون باسم إسلامنا، لأنهم يصدرون صورة إسلام آخر دموى إرهابى، يكره الآخر، ويشجع على العنف. مولد الرسول فرصة لنحتفل به بكل أشكال الاحتفال، وبكل لغات العالم، ونعيد تذكيرهم بما قاله علماء الغرب أنفسهم عن محمد الذى هو أعظم الخالدين المائة فى الإنسانية كلها كما قال مايكل هارت فى كتابه «الخالدون مائة وأعظمهم محمد».
تعالوا ننشر بكل لغات العالم، كيف أسس أول دولة مدنية فى المدينة، ونقول كيف تعامل صلى الله عليه وسلم مع أصحاب الديانات الأخرى، تعالوا نقول لهم دستوره حتى فى الحرب، وهو ينهى عن مهاجمة أو قتل النساء أو الأطفال، وكيف أن ما تفعله «داعش» ليس من الإسلام فى شىء، تعالوا ننشر علاقته بمسيحيى ويهودى الجزيرة العربية.. تعالوا نتأسى بأخلاقيات العمل التى عمل بها ودعانا إليها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة