للكاتب المصرى العالمى نجيب محفوظ فى رواية "ثرثرة فوق النيل" جملة أراها أصدق تعبير عن فيلم Operation Finale أو عن حال إسرائيل فى المجمل، وهى: "ليس من العجيب أن يعبد المصريون فرعون، ولكن من العجيب أن فرعون آمن أنه إله".
إذا لم تكن ممن لم يشاهد فيلم Operation Finale فمن المفترض أنه فيلم تاريخى، مأخوذ عن عملية حقيقية نفذها جهاز الموساد الإسرائيلى عام 1960، بهدف القبض على أدولف آيخمان، وهو أحد الضباط النازيين الهاربين إلى أمريكا اللاتينية، بهدف محاسبته وتقديمه للمحاكمة فى إسرائيل، وتحديدا فى القدس، بسبب ما قام به من جرائم ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية من قتل وحرق جماعى.
وقبل الحديث عن فيلم Operation Finale، ولمن لا يعرف، فإن القبض على أدولف آيخمان Adolf Eichmann ليس بالأمر الهين، ناهيك عن قيمته كمجرم حرب بالنسبة لإسرائيل، خاصة أنه بعد قتل هتلر، لم يعرف أحد أى شىء عن هذا الرجل، الذى تمكن من الهروب والتخفى وتغيير اسمه فالرجل الذى أحد المسئولين الكبار فى الرايخ الثالث، وأحد الضابط الأكثر قوة فى القوات الخاصة الألمانية أو ما تعرف بـ"قوات العاصفة"، وهو المسئول عن الترتيبات اللوجستية كرئيس جهاز البوليس السرى جيستابو فى إعداد مستلزمات المدنيين فى معسكرات الاعتقال وإبادتهم فيما يعرف آنذاك بـ"الحل الأخير".
من هنا، فإن العثور على أدولف آيخمان (19 مارس 1906 - 1 يونيو 1962) كان بالنسبة لإسرائيل أصعب من إيجاد "إبرة" فى قاع المحيط.
وفقا لما هو معروف فإن جهاز الموساد تمكن بعدما تبين من صدق المعلومات التى وردت إليه، من القبض على أدولف آيخمان، وترحيله إلى القدس ومحاكمته، وإعدامه بنفس الطريقة التى أحرق بها اليهود، فى غرفة أنشئت خصيصا له، وألقى برماد جثته فى البحر الأبيض المتوسط، حتى لا ينعم بالراحة الأبدية، حسبما ذكر.
وعلى الرغم من أن هذا فيلم Operation Finale يمثل أهمية وذكرى مؤلمة لليهود، إلا أن الفيلم حظى بانتقادات عديدة فى الصحف الإسرائيلية، تمثلت فى عدة نواحى، أولها أنه لم يبزر الجانب "الوحشى" للضابط أدولف آيخمان، وفى أن مشاهد "الفلاش باك" التى كان يتذكرها ويتحدث عن فظاعتها، بل وباستفزاز واضح لضباط الموساد، تبزر هذه الوحشية، فأى وحشية أخرى أرادت إسرائيل أن تراها فى الفيلم؟.
الأمر الثانى، رأت الصحف الإسرائيلية أن الفيلم أظهر ضباط الموساد بـ"صورة قاسية"، أية قسوة هذه وكل ما أظهره الفيلم يتمثل فى وضع "غمامة" على العين، ويمنعون عنه التدخين، إلا أنه مع مرور الوقت أمام رفضه للتوقيع على ورقة تتضمن موافقته على الذهاب إلى إسرائيل، كان أحد الضباط يعطيه السجائر، بل ويشرب معه النبيذ، ويحلق له ذقنه، ويعده بأنه يأتى له بزوجته لتشهد المحاكاة؟.
انتقادات عديدة، أوجزتها الصحف الإسرائيلية بأن هذا الفيلم كان ينبغى أن يقدم صورة تاريخية وواقعية للأجيال الجديدة التى لم تعرف شيئًا عن معاناة اليهود!.
إن الانتقادات التى لم يتحدث عنها أحد من خلال أحداث الفيلم، هى أن إسرائيل المتمثلة فى أفراد جهاز الموساد، وعودا رجلا عذب قومهم بمحاكمة عادلة، وأين فى القدس، الأرض المقدسة التى سرقوها، والتى تشهد حتى يومنا هذا العديد من الانتهاكات فى حق الإنسانية، لا فى الحق الشعب الفلسطينى فحسب.
إن إسرائيل التى تزعم بأن فيلم Operation Finale لم يقدم صورة حقيقية عن معاناة اليهود، تدرك جيدًا أن الأجيال الجديدة، ستخرج من هذا الفيلم برسالة واضحة تتمثل فى إنسانية ضباط جهاز الموساد، فلا يخلو مشهدًا إلا ويبزر هذه المعانى، منذ بدايته وحتى النهاية، فهل يعقل أن ضابطا ترد إليه معلومات بأن أدولف آيخمان حيا يرزق فى الأرجنتين، يتعامل مع هذه المعلومات بمنطق "المتسامح" مع الماضى؟!.
122 دقيقة كفيلة للمشاهد بأن يخرج من فيلم Operation Finale وهو يشعر بالنصر والفرح لنجاح ضباط جهاز الموساد الإسرائيلى فى القبض على أدولف آيخمان ومحاكمته وإعدامه، ناسيا أن هذه المحاكمة أجريت على أرض مسروقة باسم تحقيق العدل، هذه الأرض التى ارتوت من دماء شعب فلسطين، وتأتى الصحافة الإسرائيلية وتتحدث عن تزيف التاريخ!.
يشار إلى أن فيلم Operation Finale من إخراج كريس ويتز، وتأليف ماثيو أورتن، ومن بطولة ميلانى لورنت، وأوسكار إسحاق، وهالى لو ريتشاردسون، وجو ألوين، ونيك كرول، وبن كينجسلى، وجريتا سكاتشى، وليور راز.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة