بناءً على الظهور المتكرر لجراح السمنة فى الفضائيات العامة والخاصة، بصفته العالم العلامة، والطبيب الفهامة، الذى يقدم الحلول النهائية لمشكلات السمنة والتجميل، من خلال تدخلات بالمنظار أو الجراحات السريعة، وأن لديه الحل النهائى لأى مشكلة من هذا النوع. وبناءً على الدعاية الضخمة للجراح إياه توجه الشاب من إحدى محافظات الدلتا للطبيب فى عيادته وسدد الكشف وهو بالمئات، الطبيب ليس لديه وقت للفحوصات والتحاليل، ولم يسأل الطبيب المريض عن تاريخه المرضى وما إذا كان يعانى من مشكلات فى القلب أو الدورة الدموية. وأخبره أنه سينهى معاناته بتدخل جراحى بسيط بالمنظار. ولم يلتفت إلى قول المريض له أنه سبق وأجرى عمليات مختلفة خلال السنوات الماضية، وكل ما حرص عليه الطبيب أنه طلب من المريض سداد 170 ألف جنيه نقدًا قبل الدخول للعملية، وأرسله إلى مستشفى بمصر الجديدة واضح أنها طرف فى مقاولات جراحات السمنة التى تجرى بعيدًا عن أى نوع من الرقابة الطبية أو النقابية.
سدد المريض المبلغ كاملًا، ودخل إلى غرفة العمليات، وواضح أنه تعرض لمضاعفات فى القلب والدم والتنفس، عجز الجراح عن معالجتها، وأيضًا واضح أن المستشفى ليس به إمكانات، تم نقل المريض إلى العناية المركزة، ليموت بعدها بيومين. ويطلب المستشفى من أهل المريض أن يأتوا لزيارته وبعد ساعات من الانتظار يخبرونهم بأنه مات. وطبعًا لايمكن لأهل المريض الحصول على الحق، ولا على المال وتكون ميتة وخراب ديار.
القصة هنا مكررة، ومثلها عشرات وربما مئات القصص، عن مرضى يقعون ضحايا لأطباء بلا ضمير ولا مهنة، يتاجرون فى أنواع من الجراحات من دون معرفة حالة المريض، وللأسف تساهم الفضائيات المختلفة التى تستضيف هؤلاء الأطباء وتشهرهم ولا تخبر المواطنين أنها فقرات إعلانية دعائية مدفوعة الأجر.
ويروى زملاء المريض الراحل أنهم عندما سألوه عما إذا كان يثق فى هذا الطبيب الذى وعده بجراحة مريحة، قال لهم: أنه جراح مشهور، ويظهر فى التليفزيون كثيرًا. ولا يعرف المرحوم أن الجراح إياه مجرد واحد من مدعين يتاجرون بالمرضى، ويتفقون مع بعض مستشفيات بير السلم، وقد تحولت عمليات السمنة والتخسيس إلى نوع من التجارة لا علاقة لها بالطب، ولا يراعى مقاولو هذا النوع من الجراحات ظروف المرضى ولا حالتهم الصحية.
ومثل حالة الشاب الذى فقد حياته، هناك عشرات الحالات لمرضى تخدعهم حملات الدعاية المدفوعة لبعض قنوات بير السلم، التى تقدم فقرات طبية هى فى الواقع مدفوعة ومجرد إعلانات ولا تتحقق من مؤهلات الأطباء ولا من إمكاناتهم، لدرجة أن بعض من يظهرون ويتحدثون كأطباء، ليست لديهم مؤهلات، ولا أحد يراجع ما يتحدثون فيه. ويصل الأمر إلى ظهور بعض السيدات والرجال لا علاقة لهم بالطب ويتحدثون عن علاج لأمراض خطيرة بالأعشاب أو بالخزعبلات.
وإذا كنا نتحدث عن حماية المستهلك فمن الأولى أن نتحدث عن حماية أرواح المرضى، الذين تحولوا إلى فئران تجارب لأطباء ومستشفيات لاعلاقة لأى منهم بالطب. وكل همهم هو استحلاب المريض وأهله وتحصيل أكبر قدر من الأرباح، عن طريق عملية لاتمت للطب بصلة وإنما عملية سمسرة كاملة.
وكل هذه العملية تتم عن طريق إعلانات وهمية تغرق الفضائيات ومواقع التواصل، ليس فقط قنوات الخرافات التى تزعم فك الأعمال وإبطال السحر وجلب الحبيب، لكن قنوات تقدم برامج طبية يظهر فيها غير المختصين ليتحدثوا عن الدواء والعلاج والطب ويقدمون نصائح غير علمية ولا طبية، والمريض يتصور أن كثرة ظهور هؤلاء الأطباء المزعومين يعنى أنهم أهل ثقة، بينما هم مجرد باعة وهْم وتجار سوق سوداء، ضمن عصابات تحقق أرباحًا خرافية من تجارة الهواء لبرامج تنشر إعلانات يمكن أن تقتل المريض بدلًا من أن تعالجه.
وبالرغم من وجود قانون يمنع من نشر دعاية لطبيب أو دواء من دون تصريح من وزارة الصحة، إلا أن قنوات الخزعبلات تبيع الوهم مرات وبلا أى رقابة، وفى نفس الوقت فإن المرضى عندما يلجأون إلى نقابة الأطباء لايجدون أى اهتمام بمحاسبة الأطباء على هذه الجرائم. وللأسف هناك مستشفيات خاصة تشارك الأطباء عمليات تجارة الطب الحرام، وتقتسم معهم الأرباح وتتحول إلى مجرد سلخانات.
كل هذه الجهات تعمل بعيدًا عن رقابة وزارة الصحة أو أى نوع من التفتيش. وهى ظاهرة خطيرة تعرض حياة آلاف المرضى سنويًا للخطر. ويصعب على المريض أو أهله تحصيل أى نوع من الحقوق. وللأسف يشترى المريض الموت بالمال من أطباء ومستشفيات تبيع الموت بأغلى الأسعار.