عندما جاءتنى دعوة لحضور أمسية الشاعر وائل فتحى «دخانى كلبى الوفى»، كنت أظنها مجرد أمسية لشاعر أحبه وأعرف قيمته، لكن عندما ذهبت عرفت أن الموضوع أكبر من ذلك، وأن قلب القاهرة يحتاج إلى الكثير من الشعر.
ذهبت إلى أتيليه القاهرة لسماع وائل فتحى والفنانين ياسر المغربى وأحمد ممتاز، وتوقعت حفلة لطيفة ولقاء بعض الأصدقاء القدمى الذين لم أرهم منذ فترة بعيدة، لكننى هناك عرفت ما هو أحطر، عرفت أن المدينة التى أثقلتها الأحداث لا تزال تحن إلى الأيام القديمة إلى زمن القصيدة والإيمان بالكلمة، وأنها مستعدة أن تصفق هى وجمهورها لشاعر مميز يعرف قيمة الكلمة ووقعها وأثرها وخيالها.
أبدع وائل فتحى وهو يلقى علينا جانبا كبيرا من ديوانه «العادى ثائرا وشهيدا» تحت الطبع، الذى اختتمه بقصيدته المميزة «حريق القاهرة» بما لها من تاريخ ثقافى فى نفوسنا، وبما تحمله من جمل مركزية أعادتنا إلى فترة قريبة من عمرنا كانت حافلة بالعديد من التغيرات الإيجابية التى عشناها رغم صعوبة هذه المرحلة، كما أبدع وائل فتحى أيضا فى اختياراته لنا من مجموعته الشعرية الجديدة «إلهه هواه» فقدم لنا استخداما مختلفا للغة وإيقاعا جديدا ومعبرا، ووضعنا بشكل مباشر فى مواجهة قلوبنا.
وأننا نواجه قلوبنا الآن فقد كان محبو الشعر يملأون المكان ويقفون خارجه لعدم وجود أماكن لجلوسهم ووقوفهم، جاءوا من أجل القصيدة، وهى تستحق، ويعرفون أن وائل فتحى لن يخذلهم، لأنه يحب قصيدته ويعمل عليها بجدية تستحقها.
قالت واحدة من الحاضرين، يبدو أنها أول مرة تسمع شعر وائل فتحى، إنه شاعر صوفى وقصيدته صوفية، واختلف معها بعض الأصدقاء، لكن فى الحقيقة هى ليست خطأ تماما، فقصيدة وائل إنسانية تشمل الصوفى وأكثر، قصيدة يحتاجها الإنسان والشوارع والطرق والمقاهى خاصة فى القاهرة.
نعم القاهرة تحتاج إلى كثير من الشعر، تحتاج عودة الشعراء وتحتاج إلى قصائد جديد تربت على قلبها، هى ليست مدينة بلا قلب كما ظنها الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، بل تملك قلبا لكنه متعب بسبب الزحام، ولأن الناس الذين يمرون فيها ليلا نهارا عابسين، بسب أحوالهم وظروفهم، والمثقفون يعرفون ذلك، لذا شهدت المدينة مؤخرا عددا من بعث الروح الشعرية فيها، فشاهدنا مؤتمر قصيدة النثر ومن بعده مؤتمر قصيدة العامية، وكلها محاولات جادة من أشخاص بذلوا الكثير من الطاقة والجهد لقول شىء، بينما ظلت المؤسسات المسؤولة عن فعل ذلك بعيدة وغائبة، فليتها تتنبه.