كانت وجبة الجُبن والباذنجان المقلى والجرجير فى المساء، آخر ما جمعها مع جارتها رفيقة الحلم والسكن، فى السادسة صباحا وضعت قُبلة على جبين أطفالها أكبرهم ذو عشرة أعوام وأصغرهم ابن أربعة، وخرجت رغما عنها بحثا عن لقمة العيش، لحقت بها شقيقة زوجها وطلبت منها مرافقتها، ولكنها رفضت قائلة: «المرة دى ملكيش مكان معانا»، نصحها الجميع «بلاش تروحى يا هنية»، ولكنها أبت أن تصغى للنصح وواصلت السير مرددة بصوت عالٍ «النهاردة عندنا تشطيبة هنخلصها ونرجع بسرعة»، ذهبت الأم الثلاثينية وعادت سريعا كما وعدتهم، ولكن هذه المرة محمولة على الأعناق تُشيع جثمانها لمثواها الأخير.
يتحول المشهد تماما، والابتسامة التى كانت تعلو وجه «هنية» ونساء قريتها لحصولهن على 50 جنيها مقابل ذهابهن للأراضى الزراعية المجاورة لجمع محصول القطن، تبدلت وسكن مكانها صريخ وعويل وسواد اتشحت به قريتهن كاملة، بعدما شاع نبأ انقلاب الجرار الذى كان يقلهن لمنطقة «الهوابر» فى الترعة ووفاة خمسة منهن. «تل القاضى» اسم ينطقه الصغير قبل الكبير بمركز ديرب نجم، محافظة الشرقية، بمجرد سؤالك عن نساء العمالة الموسمية فى هذه البقعة تحديدا التى تبعد مسافة 102 كيلو متر عن القاهرة، فى هذا المكان الذى يقطنه 4110 نسمة لم تجد النساء وعددهن 2048 امرأة، وفقا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء سبيلا لكسب الرزق ومساعدة أزواجهن العاطلين عن العمل وقضاء احتياجاتهن اليومية، سوى الخروج لجمع المحاصيل فى الأراضى الزراعية نظير بضعة جنيهات فى شهور محددة سنويا، غير عابئين بكم المخاطر المحدقة بهن والتى لا تخرج عن دائرة الإصابة أو الوفاة، كما حدث فى نهاية سبتمبر الماضى.
»«صباح» خرجت دون علم زوجها وعادت جثة هامدة.. نجل «هنية» يبكيها يوميا بجوار مدفنها «ارجعى يا أمى مش عايز غيرك».. و«أم محمد» نحلم بتخصيص مشغل فى القرية بدلا من البهدلة
» «أم سمر»: «الناس بتروح للموت برجليها وتسعيرتنا بتختلف حسب كل مقاول».. و«أم أحمد»: «بننطق الشهادة وإحنا بنركب العربيات ومش عارفين هنشوف ولادنا تانى ولا لأ»
نائب الدائرة: حصلنا على 22 قيراطا من «الرى» سيتم تخصيصها لصالح المشروعات الصغيرة لتوظيف سيدات القرية وشبابها
مشاهد بعينها يغفو ويستيقظ عليها أفراد أسرة «هنية» المكونة من أربعة أشخاص أب مُعاق لا يقوى على الحركة يتحصل على راتب شهرى قدره 820 جنيها، نظير عمله فى حراسة أحد المدارس ضمن فئة الـ%5، يمُسك ليل نهار بصورة زوجته التى كانت بمثابة عمود البيت على حد وصفه، تعينه على شقاء الحياة، وثلاثة أطفال فى مراحل دراسية مختلفة، أكبرهم من ذوى الاحتياجات الخاصة فى الصف الثالث الابتدائى يحتاج علاجا شهريا قيمته 350 جنيه، لا يبرح جوار مدفن أمه أبدا «يا هنية ارجعى مش عايز غيرك يا أمى»، وأصغرهم فى عامه الأول برياض الأطفال يبكيها باستمرار.
داخل منزل مصنوع من الطوب اللبن، لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار تعيش تلك الأسرة، يتشابه وضعها مع غالبية الأسر التى ترعاها السيدات فى هذه البلدة، «هى التى كانت تنفق علينا، تخرج فى مواسم الجمع لتتحصل على بضعة جنيهات تعيننا على الحياة، خاصة أن راتبى الشهرى لا يكفى نصف احتياجاتنا»، هكذا بدأ شعبان الزوج حديثه، مضيفا: كانت تحمل على كتفها ابننا المعاق ذهابا وإيابا من المدرسة دون كلل أو ملل ورغم ظروفها الصحية إلا أنها لم تتوان فى ممارسة أعمال الجمع كغيرها من نساء القرية فى أى وقت من أجل توفير لقمة العيش لصغارها، ويوم الحادث خرجت للجمع فى السادسة صباحا وبعدها بنصف ساعة سمعنا خبر انقلاب الجرار فى ترعة القرية وتوفت فى الحال، وعود كثيرة حصل عليها شعبان من قبل وزارة التضامن بشأن صرف معاش شهرى له وترميم منزله، ولكن دون جدوى: «أكثر ما أخشاه هو أن أموت فى أى وقت، وأترك أطفالى تحت سقف منزل آيل للسقوط لا يرحمهم من برد وأمطار الشتاء».
وعلى بعد بضعة كيلومترات من منزل «هنية»، تحيا أسرة بسيطة فى الحزن نفسه، أب مكلوم لفراق زوجته وأصبح بين ليلة وضحاها مسؤول عن توفير نفقات ثلاثة أطفال بمفرده بعد وفاه زوجته «صباح» ضحية لقمة العيش أيضا فى حادث الجرار الأخير، تفاصيل يوم الحادث مر عليها قرابة شهرين، ولكنها محفورة فى ذاكرة الزوج، كلما سردها لم يتمالك دموعه حزنا على فراق رفيقة رحلته «عدت من العمل فى الثانية صباحا أخبرتنى صباح أنها ترغب فى الخروج للجمع فى السادسة صباحا رفضت، ولكننى فوجئت عند استيقاظى فى السابعة أنها ذهبت دون علمى، «هكذا بدأ أبوفارس الذى يعمل «فران» حديثه.
مضيفا: أعانى من ألم بكُليتى جعلنى لا أقوى على الحركة أو العمل باستمرار، لذا كانت زوجتى تخرج سعيا للرزق لمساعدتنا، ولكن فى هذا اليوم تحديدا طلبت منها عدم الخروج لم يكن قلبى مطمئنا، ولكنها لم تستجب، ذهبت لعملى فى السابعة صباحا وفى الطريق رأيت سيارات الإسعاف لم يخطر فى بالى أن هناك مكروها قد أصابها، ولكن بمجرد وصولى للفرن، وبدأ عملى جاء صاحب المكان، وأخبرنى بضرورة الذهاب لأن زوجتى قد توفت، ويتابع باكيا: ذهبت للمستشفى وكشفت عنها الغطاء وكانت المرة الأخيرة التى أودعها فيها.
«أبوفارس» الذى يتقاضى 1400 نظير عمله فى الفرن الأفرنجى يعول بهت ثلاثة أطفال، كان يسمح لزوجته بالخروج لأعمال الجمع بالأراضى القريبة فقط، وكان يوم الحادث هو المرة الأولى التى تقرر فيها مغادرة القرية أملا فى الحصول على يومية زيادة، يقول: كنت أستيقظ باكيا من شدة الألم، وكانت صباح شاهدة على تعبى لذلك لم تتهاون يوم فى مساعدتى بأى طريقة للإنفاق على أطفالنا فى مراحلهم التعليمية المختلفة.
فى جولة أجرتها «اليوم السابع» داخل تلك القرية، لرصد أوضاع أهلها الذين ينتمون لمحافظة تصنف ضمن قائمة المحافظات الأكثر فقرا بنسبة %14 وفقا للتقارير الرسمية الصادرة عام 2013، تظهر معالم الحياة على جدران البيوت ذات الطابق الواحد والمصنوعة من الطين أو الطوب اللبن، يسكنها نساء ارتدت ثوب الرجال، وقررت الخروج لمواجهة ظروف العيش بصحبة صغارهن، وشبابا يعانون من البطالة بعد تخرجهم من الجامعات ورجالا أرزقية «على باب الله»، الطرق الضيقة غير الممهدة تخبرك عما تعانيه تلك السيدات فى رحلتهم اليومية عبر الجرارات والسيارات نصف النقل وما تواجهه من مخاطر.
أم أحمد: نتكدس فى السيارات ونعمل طوال اليوم فى الأراضى دون طعام
فى «تل القاضى» تسمع حكايات لنساء ينتظرن موسم الجمع سنويا وكأنه عيد قومى، يتسارعن صباح كل يوم على السيارات والجرارات التى تقلهم للأراضى لممارسة المهام المطلوبة منهن على مدى 9 ساعات من السابعة صباحا وحتى الرابعة ظهرا، نظير مبلغ يتراوح ما بين 35 وحتى 50 جنيها كحد أقصى، ومن أرادت المزيد فعليها تحمل عبء عمل إضافى «من الممكن أن أجمع خطين فى نفس الوقت لمضاعفة المبلغ». بهذه الكلمات بدأت «أم أحمد» حديثها ساردة تفاصيل يوم الجمع قائلة: يمر علينا المقاول فى المساء، وعادة ما يكون من داخل القرية، ويبحث عن النساء اللائى لديهن استعداد الخروج للجمع فى اليوم التالى، يبلغنا بموعد ومكان التجمع صباح اليوم التالى، ويتم توزيعنا على الأراضى المجاورة لبلدتنا، ونبدأ فى جمع المحصول، ومن تتأخر عن الموعد يتم حرمانها من هذه الفرصة».
«طرقة الموت» هذا هو التشبيه الذى يفضل إطلاقه نساء القرية على ما يسمعنه مساء كل يوم عندما يطرق المقاول أبواب ديارهن ليخبرهن بضرورة الحضور صباح اليوم التالى، «فى كل مرة نستقل فيها السيارة ننطق الشهادة، لا نعلم إن كنا سنعود مرة أخرى لأطفالنا أم أنها المرة الأخيرة التى سنراهم فيها، نتكدس جميعا ما يقرب من 35 سيدة لم نتجاوز الأربعين من عمرنا، فوق السيارة النصف نقل أو الجرار أو على جانبى العربة الكارو على حسب وسيلة النقل التى يرسلها لنا صاحب الأرض، نسير فى طرق ضيقة وصعبة، وقد يضطر السائق للفرملة فى أى وقت فنتراكم جميعا فوق بعضنا البعض، وعندما نصل ويتم توزيعنا نواظب العمل لساعات متواصلة فى بعض الأحيان دون طعام أو حتى شربة ماء».
ضيق الحال الذى تشكوه «أم أحمد» هو ما دفعها للانضمام لصفوف العمالة الموسمية وتحمل مخاطرها، فهى أم لطفل كفيف فى المرحلة الثانوية بأحد المعاهد الأزهرية يحتاج لما يقرب من 2000 جنيه شهريا نظير الدروس الخصوصية وجلسات الاستماع التى يقدمها المعلمون له، ناهيك عن فتاه فى عامها الجامعى الأول وطفل أصغر فى المرحلة الإبتدائية، تتحدث الأم عن وضعها قائلة: زوجى رجل أرزقى على باب الله يوم معاه وآخر لا لطبيعة عمله فى إحدى محلات الأعلاف، يخرج من الثامنة صباحا وحتى الثامنة مساء ويعود فى نهاية اليوم بـ100 جنيه وابنى الأوسط كفيف يحلم بدخول كلية أصول الدين وبحاجة لجهاز حاسب آلى ليتم تسجيل الدروس صوتيا عليه، وعلى الرغم من سعى الدائم لاستخراج معاش شهرى خاص به من قبل وزارة التضامن لاستكمال مصاريف تعليمه إلا أننى لم أحصل على شىء.
وتضيف: اضطررت للخروج والجمع فى المزارع، كأى سيدة هنا فى القرية بسبب سوء أوضاعنا، نريد أن نعلم أولادنا على الأقل ليحصلوا على فرص فى الحياة أفضل من والديهم، نخاطر بحياتنا يوميا ونرى الموت بأعيننا، لنوفر احتياجاتهم ونحصل على ابسط حقوقنا.
يوم وقوع الحادث الذى أسفر عن وفاه خمس سيدات من ضحايا لقمة العيش، شاع النبأ فى قرية تل القاضى والقرى المجاورة لها، ووصل لمسامع أم أحمد ورفيقاتها، توقفوا عن العمل فى الأرض للحظة وتخيلوا أنفسهم أسفل عجلات الجرار ولكنهم انتبهوا على صوت المقاول وصاحب الأرض يقول لهم «كملوا شغل ملناش صالح عندنا جمع هنخلصه»، «لم تمنعنا الحادث من الخروج فى اليوم التالى، العمر واحد والرب واحد، ولو استسلمنا للخوف من الموت لن نجد قوت يومنا»، هكذا اختتمت «أم أحمد» كلامها قبل أن تستكمل شقيقة زوجها الحديث عن الحادث الأخير قائلة: راح ضحيته أمهات تركن أطفالهن لم يتجاوزوا العام ونصف وأخريات توفين وهن فى شهور الحمل، عندما انقلب الجرار هناك سيدات استطاعت أن تقفز وأخريات بسبب وزنهن الزائد لم يستطعن الفرار ولقنوهن الشهادة.
وأضافت أم محمد التى لم يختلف وضعها كثيرا عن سابقتها وخرجت لجمع المحصول هذا العام للمرة الأولى: زوجى يعمل فرد أمن فى إحدى الشركات فى القاهرة، يأتى لزيارتنا أربعة أيام فقط شهريا ويتقاضى 1500 جنيه، ولدينا ثلاثة أطفال فى مراحل دراسية مختلفة ننفق عليهم الكثير بسبب الدروس الخصوصية وطعامهم وشرابهم، لذلك لا يوجد أمامنا سبيل آخر سوى الخروج للجمع، وتابعت: قبل الجمع عملت فى إحدى المطابخ بمركز ديرب نجم نظير 20 جنيها يوميا ومن الساعة السابعة صباحا وحتى الخامسة مساء، ولكن لم أستطع على المواظبة بسبب سن أطفالى الصغير وحاجتهم طوال الوقت للرعاية، خاصة فى ظل غياب زوجى حتى جاء موسم الجمع، ورأيت إقبال السيدات فى القرية عليه ففعلت مثلهن.
وطبقا لأحدث إحصائية عن عدد سكان محافظة الشرقية التى أعدها صندوق الأمم المتحدة للسكان ومركز بصيرة، فإن معدل الزواج بلغ %9.4 فى عام 2015، ووصل معدل الإنجاب الكلى إلى 3.6، وبلغ عدد المتعطلين عن العمل 322400 نسمة، وتمثل المرأة الريفية فى مصر %49 من نسبة تعداد السكان فى الريف، وتصل نسبة البطالة بين صفوفهن إلى %17.8، فيما تصل نسبة النساء المعيلات الريفيات إلى %6.81.
فى المنزل المقابل لبيت «هنية» التى لاقت مصرعها فى حادث انقلاب الجرار بترعة «تل القاضى» سبتمبر الماضى، تعيش أم سمر، سيدة فى نهاية الثلاثينات من عمرها وواحدة من سيدات العمالة الموسمية بالقرية، افترشت الحصيرة أمام باب المنزل وأخذت تداعب حفيدها متحدثة عن تفاصيل علاقتها بصديقتها المتوفية، وسمات شخصيتها: كانت طيبة وأمينة جدا لا يمكن أن تضع الأكل فى فمها وهناك طفل جائع، كانت لا تتهاون فى مساعدة أى شخص على الرغم من ظروفها الصحية الصعبة أتذكر عندما كانت تذهب لشراء بعض الأغراض لى من السوق وهى لا تقوى على السير، ومن يوم وفاة السيدات الخمس والقرية حزينة لا تكف عن البكاء، ولكن فى الوقت نفسه لم يتوقف نساؤها عن الخروج بحثا عن لقمة العيش».
وتحكى أم سمر تفاصيل كثيرة عن تلك الرحلة الشاقة فتقول: يتقاضى المقاول عمولة من صاحب الأرض نظير إحضارنا، وفى الوقت نفسه يأخذ أجرا مقابل الوقوف معنا فى الأرض، ومتابعة العمل وتختلف التسعيرة ما بين كل صاحب أرض، هناك من يدفع 40 وآخر 50 جنيها على حسب طبيعة العمل، هل هو جمع لأول مرة أم مجرد تشطيبة سريعة، وهكذا وبالتأكيد أجر المقاول يكون ضعف هذا الرقم، «ما هو أكيد مش بيطلعنا لله علشان صعبانيين عليه».
وتضيف أم سمر: أغلب الوقت نخرج لجمع المحصول فى أراضٍ خارج البلد، يستغرق الطريق إليها قرابة ساعة ونصف، وفى أوقات أخرى يكون العمل مقتصرا على بعض المزارع المحيطة بنا، لا نستغرق أكثر من نصف ساعة فى الذهاب إليها، وبعد انتهاء موسم جمع القطن لا يبقى أمامنا سوى زرع الغلة أو «شتل» الأرز، وهى عملية يخرج فيها الكبير والصغير لدرجة أن هناك أطفالا يمتنعون عن الذهاب للمدارس فى هذه الأيام والذهاب مع أمهاتهم من أجل المال «الناس بتكون عارفة إنها رايحة تموت بس بتروح هنعمل إيه».
وتقول هالة يسرى، مقرر مناوب لجنة المرأة الريفية بالمجلس القومى للمرأة: ظاهرة العمالة الموسمية للمرأة الريفية، تعكس مدى معاناة تلك الفئة المهمشة مُهدرة الحقوق والتى تحتاج لحزمة من التشريعات، ومظلة نقابية تحمى حقوق العاملات فيها وتنظم عملها، وتضيف: أجريت أبحاثا عدة عن وضع المرأة فى مثل تلك المناطق ومعاناتها التى لا تنقطع ولدى اقتراحين لتحسين معيشتها، وإطار عملها الزراعى الأول استصدار قانون منظم للعمالة اليومية أو الموسمية للمرأة الريفية، ثانيا قيام شركات القطاع الخاص فى تلك المحافظات بتوظيف تلك السيدات لضمان حقوقهن وحمايتهن من أى مخاطر، «نريد أن ننظم العمل الزراعى للمرأة تحديدا ونخرج من نفق العمالة اليومية ذات الظروف الصعبة لأخرى منظمة من خلال شركات وقوانين ونقابة مسؤولة عنهن».
واظبت أم دينا على الخروج للجمع مع كل موسم، قبل أن يتم توظيفها فى مديرية التربية والتعليم بالمحافظة قبل سبع سنوات، تتقاضى منها 1500 جنيه شهريا، وعلى الرغم من حصولها على وظيفة ثابتة قد تكون سببا فى غيرة البعض منها إلا أنها تلتمس الأعذار لأى سيدة مازالت تقدم على هذه الخطوة قائلة: أى سيدة تخرج للجمع رغما عنها بسبب ضيق حالها خاصة أن راتب زوجها أن كان يعمل لا يكفى احتياجات المنزل والأطفال وقديما كنت أخرج للجمع من الساعة السادسة صباحا للسادسة مساء نظير 12 جنيها فقط، لا غير وبالتالى الوضع الآن أفضل ماديا بالنسبة لهن، وتضيف: السيدات فى القرية ينتظرن موسم الجمع وكأنه عيد، وتتمنى أن يستمر طوال العام ففى هذه الفترة تستطيع المرأة أن تلبى احتياجات الأسرة من مأكل ومشرب، وكذلك ملبس لذلك سواء وقعت حادثة أو لم تقع لن يتغير فى الأمر شيئا «خمسين على خمسين فى الشهر ممكن أصرف على عيالى وأجيبلهم لبس المدرسة وأجيب احتياجات البيت كمان».
الخروج للجمع وتحمل مخاطره أفضل لسيدات القرية من العمل فى المنازل على حد قول «أم دينا» التى تعيل أطفالها الثلاث بعد وفاة زوجها «مش بنيجى على كرامتنا للدرجة دى، مفيش ست فى القرية تقبل تشتغل فى خدمة البيوت، فقط يخرجن للجمع أو العمل فى رياض الأطفال الخاصة.
لمياء لطفى، منسق برامج بمؤسسة المرأة الجديدة محافظة الشرقية، تقول إن حادث قرية تل القاضى فى سبتمبر الماضى لم يكن الأول وربما لن يكون الأخير، فكثيرا ما تقع حوادث ونقرأ فى الصحف عن موت نساء وأطفال العمالة الموسمية التى غالبا ما تحدث بسبب الطرق غير الممهدة ووسائل النقل غير الآمنة، وتضيف «مع أى مطب نرى السيدات تطير وتسقط أمام السيارات ودماءهن تسيل على الإسفلت، الناس دى بتطير وتقع قدام العربية، وأى سيدة تصاب تتمنى الموت فعليا، فالموت أفضل لها من إصابة تعيقها طوال الحياة عن الخروج للعمل ومساعدة زوجها وأسرتها خاصة إن كان الأخير عاطلا عن العمل».
وتضيف: لا يوجد تأمين صحى أو اجتماعى لهن بخلاف تعرضهن لأشكال مختلفة من التحرش من قبل المقاول أو صاحب الأرض، ناهيك عن المواد الكيماوية التى يتعاملن معها بشكل مباشر فى الأرض وتؤثر على صحتهن، وأضافت: هناك أضرار جسدية مباشرة تلحق بهن نظير حمولة المحاصيل الثقيلة التى يحملناها على رؤوسهن من الآم فى الرقبة والظهر.
واظب رجال قرية تل القاضى على المشاركة فى أعمال البناء، ولكن مع غلاء أسعار المواد الخام توقفوا، ولم يبق أمامهم سبيل سوى المكوث فى المنزل أو العمل باليومية فى أى حرفة أخرى وأمام شدة الحاجة وضيق ذات اليد قررت النساء القيام بأدوار إضافية هكذا بدأت أم محمد حديثها مبررة سبب خروجها هذا العام مع سيدات القرية لممارسة أعمال الجمع، للإنفاق على أطفالها الثلاث، مضيفة: مفيش راجل هيقبل أن زوجته تتهان وتتبهدل إلا لو محتاجين.
وتضيف: زوجى يعمل باليومية فى حفر البالوعات والمجارى، وأتذكر عندما أخبرته أول مرة بخروجى مع سيدات القرية لجمع المحصول، رفض بشدة، ولكن بعد تفكير وافق لأنه ليس أمامنا وسيلة أخرى لتوفير لقمة العيش، وبعد الحادث خرجنا أيضا ولم نقل سوى أن الأعمار بيد الله، تتمنى أم محمد أن يتم تخصيص مشغل لسيدات القرية بدلا من خروجهن فى أعمال الجمع وتعريض حياتهن للخطر قائلة: ياريت يخصصوا لنا مشغل بدلا من خروجنا هنا وهناك.
ومن جانبه يقول النائب عبدالباقى تركيا، عضو مجلس النواب عن دائرة ديرب نجم محافظة الشرقية وهو المركز الذى تتبعه القرية محل التحقيق، إن «تل القاضى» قرية معروف عنها خروج نساءها للعمل فى الأراضى المجاورة خلال مواسم الجمع، وبالتالى تكون هى المقصد الأول لأصحاب الأراضى، وباعتبارنا بلدا ريفيا فى الأساس، فبالتأكيد نحن بحاجة لعمالة تساعد فى عمليات جمع المحاصيل، وفى رأى الحوادث التى تقع هى مجرد قضاء وقدر، ولا يمكن الاستغناء عن تلك العمالة بأى شكل من الأشكال.
وبسؤاله عن أساليب التعامل مع السيدات بشكل يفتقر للآدمية ونقلهم فى وسائل نقل غير آمنة مما يعرض حياتهم للخطر قال عبدالباقى تركيا: من المفترض أن يكون هناك تنظيم افضل لما يحدث الآن وندرس فكرة تخصيص جهة تحفظ بيانات هذه السيدات وتوفر لهن سبل تأمين وضمانات اجتماعية، وأضاف: نجحنا مؤخرا فى تخصيص 20 قيراطا لصالح المركز بعد استغناء وزارة الرى عنها، وسيتم استغلال هذه المساحة للمنفعة العامة بمعنى إنشاء مجمع مصالح وتخصيص جزء آخر لإنشاء مشروعات صغيرة ومتوسطة، لاستقطاب السيدات والشباب العاطل عن العمل وتوظيفهم.
وعن انقطاع معاشات الضمان الاجتماعى عن تلك الأسر كما جاء فى شكواهم قال: نتابع مع وزارة التضامن ولكن الأمر يحتاج لمزيد من الوقت حيث يتم دراسة مدى احتياج كل أسرة، وإن كانت تستحق للدعم أم لا خاصة أن هناك البعض يقوم بتزوير أوراق للحصول على دعم غير مستحق وبشكل عام سأتواصل الفترة المقبلة مع أصحاب الشكاوى ونعيد مخاطبة وزارة التضامن مرة أخرى، لدراسة وضعهم وصرف المستحقات الخاصة بهم.
عدد الردود 0
بواسطة:
حمزه ابو حمزه
شهيدات الفقر والاهمال
يجب معاملة هؤلاء النسوه الشهيدات معاملة شهداء الارهاب ويجب صرف 100000 جنيه فورا لاسرة كل شهيده بجانب معاش استثنائي لان تلك الشهيدات خرجن للعمل الشاق المرهق لأن جمع محصول القطن من أشق الاعمال على الرجال فما بالك بالنساء وهؤلاء النسوه لم يخرجن للتنزه أو قضاء أيام العطلات بل خرجن للكفاح والصرف على أسر نهش الفقر والمرض أكبادها وصحة معيليها ....السيده وزيرة التضامن هل أتصلتي بأسر الشهداء لمواستهن ......السيد المحافظ هل تكرمت وأرسلت حتى أمين شرطه ينوب عنك لتوديع الشهيدات الى مثواهن .... أم أن الفقراء لا بواكي لهم