لا يبدو أن العالم لديه من الوقت ليبذل جهدا من أجل حل مشكلات إقليمية أو يتدخل للبحث عن آفاق سياسية لصراعات الشرق الأوسط التى تبدو بلا بداية ولا نهاية، أوروبا مشغولة انشغالات فردية وجماعية. وبجانب هذه الأزمات الداخلية، يشهد العالم حربا تجارية واقتصادية، ومؤشرات على قرب حدوث أزمات اقتصادية، لكن اللافت للنظر أن أوروبا أو دول العالم يمكنها مواجهة أزماتها وحلها داخل آفاق سياسية تتيحها الديمقراطيات على العكس من منطقة كالشرق الأوسط تغرق فى العناد والصراع والأطماع غير المحدودة وترفض أطراف الصراع فيها التنازل أو التفاوض، خاصة أن انشغالات أوروبا والعالم بمشكلات ومنافسات تجارية واقتصادية وصراعات سياسية تجعل احتمالات بقاء الأزمات الإقليمية والصراعات فى دول مثل سوريا وليبيا واليمن وغيرها قائمة لبعض الوقت ما لم تنتبه الدول ونخبها السياسية إلى ضرورة البحث عن حل من الداخل وليس الرهان على عالم مشغول بنفسه.
الأوروبيون يريدون ترتيب الاتحاد ما بعد الخروج البريطانى فى مارس القادم، وفرنسا أيضا تواجه أزمة داخلية بسبب احتجاجات واسعة نظمها أصحاب السترات الصفراء اعتراضا على قرارات رفع أسعار الوقود خاصة الديزل الأكثر استخداما فى فرنسا، واتسعت الاحتجاجات ودخلت أسبوعها الثانى وشهدت تصاعدا لدعاوى تهاجم ماكرون وتطالبه بالاستقالة، ضمن تحركات سياسية يغذيها اليمين بقيادة مارين لوبان التى خسرت الانتخابات أمام ماكرون.
الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى، أمر يؤثر على الاتحاد الأوروبى، ويهدد بأزمات مختلفة فى بريطانيا، وربما ينتج أزمة سياسية كبرى، حيث تكافح رئيسة الوزراء تريزا ماى للخروج بأقل الخسائر، وقد حققت ماى نجاحا جزئيا بموافقة قادة الاتحاد الأوروبى على اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد، حسبما أعلنه رئيس المجلس الأوروبى، دونالد تسك، أمس، ودعم القادة الأوربيون، وعددهم 27، الاتفاق فى مناقشات.
الاتفاق الذى طرحته ماى وواجه معارضة من قادة الاتحاد قبل أن يوافقوا عليه، يحدد شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وعلاقة بريطانيا والاتحاد بعد الخروج، مثل التبادل التجارى والتعاون الأمنى بين الطرفين.
لكن موافقة الاتحاد الأوروبى تبدو أقل خطرا، حيث ينبغى أن يصدق البرلمان البريطانى على الاتفاقية لتصبح سارية المفعول، وهى مهمة لن تكون سهلة بالنسبة لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى، بالنظر إلى عدد النواب المعترضين على محتوى الاتفاق.
ويتم عرض الاتفاق على البرلمان البريطانى مطلع ديسمبرمع إمكانية للتصديق عليه ليست كبيرة، لأن أحزاب «العمال» و«الديمقراطيين الأحرار» و«الوطنى الأسكتلندى» و«الديمقراطى الوحدوى» تعتزم كلها التصويت ضد الاتفاق، ومعهم العديد من نواب حزب المحافظين الغاضبين على رئيسة الوزراء.
تيريزا ماى ناشدت البريطانيين دعم الاتفاق، باعتباره أفضل ما يمكن التوصل إليه بين الطرفين، وبأنه يحترم نتيجة الاستفتاء الشعبى بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
ومن بريطانيا إلى فرنسا تحولت احتجاجات «السترات الصفراء» فى العاصمة الفرنسية باريس إلى مواجهات بين المتظاهرين والشرطة، التى استخدمت الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المحتجين الغاضبين من ارتفاع تكاليف الوقود والسياسات الاقتصادية للرئيس إيمانويل ماكرون، وأقام بعض المحتجين متاريس ورشقوا الشرطة بالحجارة والألعاب النارية، وهم يرددون شعارات تطالب الرئيس إيمانويل ماكرون بالاستقالة، وقال وزير الداخلية الفرنسى، كريستوف كاستنير، إن المتظاهرين متأثرون بمارين لوبان زعيمة حزب «المسيرة الوطنية» اليمينى المتطرف، ولكن لوبان ردت واتهمت وزير الداخلية بعدم الأمانة.
واضح أن الشهور القادمة تحمل داخلها المزيد من التحولات والمفاجآت، ولهذا فإن من يراهن على تدخلات دولية أوروبية أو غيرها سوف ينتظر كثيرا، فأوروبا لديها انشغالاتها بمشكلات داخلية لدى كل دولة وترتيبات تتعلق بالمصالح الاقتصادية والتجارية والسياسية، ولا وقت لديها لتحل أزمات الشرق الأوسط التعيس، وربما على هؤلاء الغارقين فى الصراعات أن يبحثوا عن حل ولا ينتظروا أحدا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة