هل هناك مستقبل لتنظيم إرهابى متطرف دموى مثل «داعش»؟
حتى يمكن تخيل الإجابات المنطقية عن السؤال السابق لابد وأن نسترجع معا أسباب وملابسات ظهور هذا التنظيم الذى نجح فى سنوات قليلة فى اجتياح أراضى العراق وسوريا والتواجد فى عدة دول ومناطق عربية أخرى منها ليبيا وتونس والصومال وشمال سيناء وبعض الدول الأفريقية ذات الكثافة السكانية المسلمة تحت حزام الصحراء مثل نيجيريا، بالإضافة إلى باكستان.
تنظيم داعش ظهر بقوة خلال عام 2014، مرتبطا بعوامل ثلاثة، أولها الرد على سيطرة ميليشيات الحشد الشعبى على المشهد فى العراق وتحول بغداد إلى فناء خلفى للدولة الإيرانية، تصنع قراراتها وتولى سياسييها وتشرف على ميزانياتها، وتلقى التنظيم دعما غير محدود بالمال والسلاح من دول عربية وغربية، بهدف إحداث توازن مع النفوذ الإيرانى وميليشياته العراقية، كما كانت تركيا هى الميدان الذى يتلقى فيه أعضاء التنظيم تدريباتهم وتعليماتهم قبل أن يتوجهوا للأراضى العراقية. والثانى تسخين الأجواء لتمرير تقسيم العراق نهائيا إلى ثلاث دويلات، دولة شيعية فى الشرق والجنوب ودولة كردية فى الشمال الغربى وبينهما دولة سنية فى الوسط، وهو مخطط توافقت عليه العديد من القوى الغربية وتوابعها من العرب والعجم والبربر والأتراك، ثم جرت فى دجلة والفرات مياه جديدة ولم يشهد المشروع النور، رغم الجرائم والمذابح والتفجيرات الدموية وعمليات التهجير القسرى والتنكيل بالأقليات التى شهدها العراق، أما العامل الثالث المرتبط بظهور داعش، فهو إرث أبومصعب الزرقاوى، مؤسس تنظيم القاعدة فى العراق، فقد تحول التنظيم بعد مقتله عام 2006 إلى مجموعات وميليشيات متفرقة وإن كانت جميعها تنتهج منهج السلفية الجهادية، وتدعو إلى إقامة الخلافة على صورتها البدائية الأولى، وعندما دعا أبو بكر البغدادى إلى القتال تحت رايته التف حوله فلول تنظيم القاعدة فى العراق، كما توالى عليه الدعم من كل الجهات وانفتح عليه الميدان، ليحتل وسط العراق ودخل سوريا ليشارك فى الهدم والفوضى الدائرين.
ورغم إعلان نحو ستين دولة عربية وغربية وضع تنظيم داعش على رأس قائمة الإرهاب ومشاركتها فى الحرب على التنظيم، إلا أن التنظيم نجح فى الحصول على مساحات كبيرة من الأراضى فى سوريا والعراق، ونشر خلاياه فى الدول العربية والإسلامية المستهدفة بمشروع الفوضى الخلاقة الذى أعلنته وزيرة الخارجية ومستشارة الأمن القومى الأمريكية السابقة وارتكب العمليات الإرهابية المروعة على أراضيها، لكن الملفت فى التنظيم الوحشى البدائى والدموى، أنه يتمتع ببنية معلوماتية وتكنولوجية شديدة التعقيد، كما يملك شبكة اتصالات دولية حديثة وعشرات الآلاف من الحسابات والمنصات على مواقع التواصل الاجتماعى، وهو ما دفع محللين إلى اعتبار رأس تنظيم داعش وغرفة عملياته فى إحدى أجهزة المخابرات الكبرى مثل سى آى إيه الأمريكية، أو إم آى سكس البريطانية.
تنظيم داعش الإرهابى فقد معظم الأراضى التى يستحوذ عليها فى العراق وسوريا، ولم يتبق له سوى عدة جيوب ومخابئ ويهرب أعضاؤه إلى أوروبا باعتبارهم لاجئين، وفقد جميع حقول النفط التى كان يسيطر عليها، لكن قيادة التنظيم مازالت قوية ونشطة بصورة مبالغ فيها على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، لدرجة أنه يتوعد مخالفيه بنشر حملات من الرعب والعنف من خلال توجيه أعضائه وخلاياه الكامنة عبر التليجرام وفيس بوك وتويتر، كما أعلن التنظيم التحدى لمؤسسى ومشرفى مواقع التواصل بأنهم إذا أغلقوا حسابا سينشئ ثلاثمائة حساب بديل، فهل يصدق المحللون الذين يعتقدون أن رأس تنظيم داعش فى مقر مخابرات إحدى الدول الغربية الكبرى؟
وإذا صدق هذا الافتراض، فإن تنظيم داعش سينتهى على الأرض مع إعادة نهوض الدول العربيةو واستعادة سيادتها على أراضيها الموحدة، لكنه سيظل شبحا تستخدمه الدول الغربية الكبرى لاحتواء ما تشاء من الدول العربية.