قبل بداية منتدى الشباب العالمى بشرم الشيخ «الذى يقام تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه» حاول «كلاب النار» تعكير صفو سماء المنتدى، بحادثة خسيسة ظناً بأنهم قادرون أن يخفوا نور الحق.
وفى ذهنى ربطت بين تلك الحادثة وبين كريستوفر كولومبوس الذى هدّد الهنود الحمر بأنه سيسرق القمر منهم إذا لم يمنحوه الطعام والتموين الذى يكفى طاقمه للبقاء على قيد الحياة، ولم يصدّق الهنود الحمر حينها أن هذا القرصان العظيم قادر على تنفيذ تهديده. وكان الفلكيون الذين رافقوا كولومبوس قد أعلموه أن خسوفاً كاملاً سيحصل بعد أيام، ولما غاب القمر بالفعل جاء الهنود المساكين يتوسّلون كولومبوس لإعادته إليهم بعد أن تعهّدوا بتنفيذ جميع أوامره حرفياً، وفى الليلة التالية عاد القمر مكتملاً معتقدين بأن كولومبوس هو من قام بإعادته إليهم، ومنذ حصول تلك الحادثة ربح الهنود الحمر طقوسهم الاحتفالية بالقمر ولكنهم خسروا قارة كاملة بثرواتها العملاقة. وهذا يفسر عملياً مقولة العالم والفيلسوف العربى «ابن رشد»: إن التجارة بالأديان هى التجارة الرائجة فى المجتمعات التى ينتشر فيها الجهل، فإن أردت التحكّم فى جاهل عليك أن تغلّف كلّ باطل بغلاف دينى.
فقد استغل كولومبوس الدين وتاجر فيه كما يتاجر الإخوان الآن، وطبق مقولة يانحكمكم يا نقتلكم «ولم يكن إخوانياً لكنه كان دمويا» فعندما وصل كولومبوس إلى الأرض الجديدة التى اكتشفها أجبر سكانها الأصليين، وهم من الهنود الحمر على أن يقوموا بإعطائه جميع الذهب والنحاس الذى يمتلكونه، وعندما اعترضوا خيّرهم بين الموت والذهب، فمنهم من رفضوا بشده فلقوا حتفهم وقتلوا وسلب منهم الذهب والنحاس، ومنهم من أعطوه الذهب إجبارًا.
وفى مصر وفى مدينة السلام «شرم الشيخ» على حافة الحلم تجلى الحدث، أيقظ من خلاله شبابنا المصرى العودة لمعرفة هويتنا ونقول للعالم تعالى «نتلاقى».. تعالوا نتحدث عن شباب مصرى استطاع أن ينظم منتدى كبيراً جداً لو تم تنظيمه فى أى بلد فى العالم لحشد له الشركات الكبرى، لكن ورغم التفاصيل الكثيرة استطاع شباب الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب تنظيم الحدث العالمى، وكان الانضباط والدقة شعارهم ليبهروا العالم بعملهم وليصبح المنتدى أحد الأحداث التى يفخر بها المصريون فى كل مكان.
وبحكمة قصيدة محكمة، تفتقت مسام التجديد بين أصابعهم، وبالتالى كتب المعنى واستنبطه بالتأويلات، واستحضر التراث «سيناء والنوبة وسيوة ووسط البلد» ليدعم بنية قصيدته فانطلق منتدى شباب العالم تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، كحدث سنوى عالمى يقام بمدينة شرم الشيخ، بمشاركة أكثر من 5000 شاب من أكثر من 150 دولة «ليس بينهم إسرائيل» للتعبير عن آرائهم والخروج بتوصيات ومبادرات فى حضور نخبة من زعماء وقادة العالم والشخصيات المؤثرة.
وقد أبدى الرئيس اهتماماً بالشباب فعلاً وقولاً:
«إن شباب مصر الممتلئ حماسًا والذى تمثلت فيه الأعمدة السبعة للحضارة وصنعت بداخله نقطة تلاقٍ للحضارات، أصبح هو الرقم الأهم فى معركة بناء الوطن التى نخوضها، وبينما تعصف التحديات بدول وحضارات من حولنا استطاع شباب أمتنا مجابهة التهديدات ومواجهة الإرهاب بالفن والثقافة قبل السلاح، وشرعوا فى بناء الوطن واثقة خطواتهم أن أمتنا صاغت خلال سنوات رؤية جديدة قائمة على العودة للإنسانية ومبادئ الحضارة وترسخ لفكرة احترام الاختلافات الثقافية واحتوائها بدلاً من فرض الرؤى والأيديولوجيات بالقوة، وهو نابع من الثراء الحضارى المكون للشخصية المصرية بأبعادها السبعة».
وخلال افتتاح الرئيس النصب التذكارى لإحياء الإنسانية بشرم الشيخ وجه رسالته إلى الشباب قائلاً: «شباب العالم المجتمع فى أرض الكنانة.. أدعوكم للحوار الجاد والبناء على مدار فعاليات هذا المنتدى، وأرجو أن تجنحوا بأحلامكم إلى آفاق الإبداع وأن تعقدوا العزم على إنفاذ إرادتكم مخلصين لها ولو كره الكارهون.. ابدعوا بعقولكم وأحبوا الحياة بقلوبكم وانطلقوا نحو الغد الذى سيليق بكم.. اجعلوا اختلاف أديانكم وألوانكم وأجناسكم قيمة مضافة لحلمكم وثراء لمستقبلكم ولا تتفرقوا أبدا.. اجعلوا كنزكم فى رحلة إلى المستقبل الواعد المفعم بالسلام والمستقبل والتنمية.. مارسوا بالصدق وآمنوا بتحقيق الحلم، فالأحلام لا تسقط بالتقادم».
ونعود لقصة كولومبوس وتجارته بالدين فى هذا الموقف، فالصور الإيجابية لمصر على شاشات العالم لن ترضى كولومبوس عصرنا- أقصد «كلاب النار»- فخططوا لحادث المنيا كما يخططون فى كل مناسبات مصرية لتعكير صفو المصريين، فلم يُقتل المصريون بالمنيا لأنهم أقباط ولا قُتل 320 مصريا بمسجد العريش لأنهم مسلمون.. قتلهم كلاب النار لأنهم فقط مصريون وأرادو تنفيذ مخططهم الدنىء الخسيس، لكن عهدنا بالدولة المصرية الجديدة والتى كانت لبنتها الأولى ثورة 30 يونيو لن تترك دماء شهدائنا تضيع هدرا، بل نحن على يقين أن الدولة فى حرب ضد الإرهاب على جميع الاتجاهات من شمال البلاد لجنوبها ومن شرقها لغربها.
وكما قالت السيدة انتصار السيسى، قرينة رئيس الجمهورية، عبر حسابها على مواقع التواصل: «نقطةُ تلاقٍ».. كانت تلك هى الرمزية الجميلة لبلدٍ بحجم مصر، جمع فى طيّاته حضاراتٍ عدة، فلم يرفضها ولم تسحقه، بل تأثر بها وأثّر فيها، واندمج معها مكوّناً نسيجا جميلا ومتفرّداً من الشخصية المصرية.. و«من افتتاح منتدى شباب العالم، رسالة قوية على أن مصر كانت حاضنة لكل شعوب العالم على مدى التاريخ، وأنها ستظل دائماً وأبداً هى نقطة تلاقٍ ووصل، وفى القلب من كل الدنيا».
وكعادتها مصر سباقة فسبقت العالم فى إدانة جرائم داعش وكل التنظيمات الإرهابية حين وجّه الرئيس رسالة خاصة للفتاة الأيزيدية «نادية مراد»، مفادها أن مصر ترفض التمييز والعنصرية، قائلاً بصوت عالٍ: «هنطالب العالم بالاعتراف بالجريمة اللى عملها داعش وكل التنظيمات المتطرفة فى العالم، بقولك يا نادية هنخلى أول مطالبة من مصر، وهنكون احنا فى مصر أول من يرفض التطرف والتمييز والعنصرية كما رفضناه سابقاً، إن المصريين تحركوا سابقًا بـ30 مليون مصريا ومصرية شابا وشابة وقالوا «لا للتمييز الدينى».
كل ما سبق ما هو إلا تأكيد أن مصر ومنذ سنوات تحارب الإرهاب بمفردها نيابة عن العالم وشبابه الذى حضر إلى مدينة السلام لدعم السلام فى العالم عبر قناته الشرعية.. مصر.