"الخطاب الدينى المعتدل" شعار تبناه الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ بداية حقبته، ليكون أحد أهم المحاور فى الحرب التى خاضتها مصر على الإرهاب، جنبا إلى جنب مع الجهود التى بذلتها الأذرع الأمنية، لدحض الميليشيات الإرهابية سواء فى سيناء أو غيرها من المناطق الأخرى، حيث كانت الدعوة إلى الاعتدال بمثابة أداة الحرب الفكرية على الأفكار المشوهة التى حاول دعاة التطرف ترويجها لتحقيق أهدافهم، وتجييش مشاعر المتعاطفين معهم لإثارة الفوضى وتقويض خطط التنمية، إلا أن الدعوة المصرية، والتى كررها الرئيس السيسى من جديد فى المنتدى الدولى للشباب الذى يعقد حاليا فى شرم الشيخ، ربما امتدت لتصبح مبادرة عالمية تشمل المنطقة والعالم، فى ظل متغيرات شهدت تصاعدا كبيرا لخطاب الكراهية فى عدة مناطق.
ولعل ارتباط الخطاب الدينى بالسياسة فى دول منطقة الشرق الأوسط كان بمثابة السبب الرئيسى وراء الكثير من الصراعات الإقليمية، حيث شهدت فترة ما بعد "الربيع العربى" استخداما صريحا لخطاب الكراهية لتحقيق مكاسب سياسية من قبل تيارات الإسلام السياسى، فى محاولة صريحة لقبض سيطرتهم على السلطة فى بلدانهم، بينما كان الخطاب نفسه وسيلتهم لتحقيق الفوضى، وزعزعة الاستقرار فى مرحلة "ما بعد السقوط"، فى إطار محاولاتهم لتقويض المساعى التى تهدف إلى إعادة البناء وتحقيق التنمية بعد سنوات من الركود السياسى والاقتصادى.
وهنا تصبح محاولات الربط بين خطاب الكراهية وعدم قبول الآخر من جانب وتحقيق الأهداف السياسية من جانب آخر بمثابة أحد المعضلات الرئيسية التى واجهت دول المنطقة فى السنوات الماضية، بينما كان الموقف الدولى متخاذلا إلى حد كبير سواء عسكريا عبر القيام بدور فعال فى الحرب على الإرهاب، أو سياسيا عبر تقديم الدعم للمبادرة المصرية التى قامت على دحض الخطاب القائم على الطائفية أو نشر الكراهية، وذلك لرغبتهم فى تحقيق مخططهم القائم على إثارة حالة من الاستقطاب المجتمعى داخل المنطقة، بهدف تقسيمها على أسس طائفية، فى إطار ما يسمى بـ"الفوضى الخلاقة".
إلا أن الفوضى امتدت مؤخرا من النطاق الإقليمى إلى نطاق أكثر اتساعا، لتشمل دولا أخرى من العالم، وفى القلب منها الدول الغربية التى طالما تشدقت باحترامها لحقوق الإنسان، وقبولها للآخر، حيث جنت ثمار أجندتها، عبر تطوع الآلاف من مواطنيهم إلى الميليشيات المتطرفة فى المنطقة، وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابى، ليعودوا بعد ذلك إلى بلدانهم ليصبحوا بمثابة قنبلة موقوتة يمكنها الانفجار فى أى لحظة، أو قيام بعضهم بعمليات إرهابية فى الداخل، استجابة لخطاب متشدد عبر الإنترنت تبناه مشايخ تلك الجماعات وقياداتها، أدت إلى سقوط مئات الضحايا بالإضافة إلى حالة من الهلع بين مواطنيهم، وتقويض الثقة فى المؤسسات الحاكمة لديهم.
وهنا صارت الحاجة الملحة فى الغرب، سواء فى الولايات المتحدة أو أوروبا، إلى تيارات جديدة يمكنها مجابهة التشدد الذى زرعت بذوره من قبل القادة الذين ادعوا الليبرالية لسنوات طويلة، فكان اللجوء إلى التيارات اليمينية بما تحمله من أجندة متشددة تجاه كل ما هو "آخر" بمثابة الأمل فى دحض المخاوف التى ولدها خطاب متطرف تبنته التيارات التى دعمتها حكوماتهم فى الشرق، فصار خطاب "الكراهية" بمثابة طوق النجاة بالنسبة لهم لمجابهة كابوس الإرهاب الذى وصل إليهم، عبر دعوات نشرتها الميليشيات المتطرفة عبر الإنترنت لأنصارهم فى دول العالم للقيام بعمليات إرهابية داخل بلدانهم.
ولعل حادث استهداف المعبد اليهودى فى ولاية بنسلفانيا الأمريكية كان دليلا دامغا على حالة الاستقطاب التى تشهدها المجتمعات الغربية فى الآونة الأخيرة جراء صعود التيارات اليمينية من جانب ومحاولات الليبراليين اللحاق بهم من جانب آخر، فأصبحت الدعوة لدحض "خطاب الكراهية" بمثابة أحد العناوين الرئيسية التى سيطرت على المشهد السياسى الغربى، فى ظل مخاوف من احتمالات تكرار مثل هذه الحوادث التى تبدو جديدة تماما على مثل هذه المجتمعات.
وبالتالى فإن توظيف خطاب الكراهية لتحقيق أهداف سياسية لم يعد قاصرا على دول بعينها، بل امتد إلى مناطق أخرى ربما عرفت لعقود طويلة من الزمن بديمقراطيتها واحترامها لحقوق الإنسان، وفى القلب منها الولايات المتحدة وأوروبا، لتصبح دعوة الرئيس السيسى، وإن بدت فى ظاهرها قاصرة على منطقة الشرق الأوسط، بمثابة مبادرة عالمية جديدة يمكن استلهامها فى العديد من دول العالم لتحقيق الاعتدال المطلوب باعتباره الوسيلة الوحيدة لدحض الأفكار المتطرفة.