تبدو لى مناورات "درع العرب - 1" ليست مجرد تدريب عسكرى عربى مشترك، لتنفيذ مناورات برية وبحرية وجوية مشتركة بقاعدة محمد نجيب العسكرية "شمال مصر"، حتى وإن كانت مناطق التدريبات بنطاق البحر المتوسط يشارك فيها عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية، وقوات الدفاع الجوى والقوات الخاصة، لكل من مصر والسعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن، فضلا عن مشاركة كل من المغرب ولبنان بصفة "مراقب"، بل إنها تعد تجربة عملية لكيفية أن يكون لنا نحن العرب هدف واحد لوطن واحد فى سبيل مصير مشترك يجمع كل عناصر الأمة على قلب رجل واحد فى مراحل الخطر.
اللافت للنظر أن كثيرا من الجيوش العربية خاضت فى الفترة الماضية مجموعة كبيرة من التدريبات والمناورات العسكرية، بمشاركة أسلحة متعددة، وكأن الانتكاسات التى تعرضت لها جيوش سوريا والعراق وليبيا واليمن، كانت حافزا لرفع درجة ومستوى جاهزية الجيوش الباقية، والاستعداد لصد أى سيناريوهات قاتمة، وامتدت التدريبات إلى استئناف مناورات تقليدية والتوسع فيها، والتعاون مع قوى كبرى وتمديد أواصر العلاقات العسكرية معها، وربما كانت تلك هى مبرر الانطلاقة القوية فى فعاليات التدريب المشترك "درع العرب -1"، والذى يعد التدريب الرابع من نوعه الذى تشارك فيه قوات عربية مشتركة فى أقل من شهر واحد.
بدأت هذه المناورات بـ"تبوك 4" بين مصر والسعودية، وتبعها تمرين "مركز الحرب الجوى الصاروخي" بين القوات الجوية الملكية السعودية ونظيرتها الإماراتية، مرورا بمناورات "جسر 19" المشتركة بين القوات البحرية السعودية وسلاح البحرية البحرينى، ولا بد لى من الإشارة هنا إلى عدد التدريبات العسكرية المشتركة بلغ 25 تدريبا منذ مطلع عام 2018، الأمر الذى دفعته كثافة الصراعات فى المنطقة إلى مشاركة قوى مختلفة فيها، نظامية وغير نظامية "ميليشيات"، بالإضافة إلى التطورات الحاصلة فى عهد الرئيس الأميركى السابق باراك أوباما، ما دفع دول المنطقة نحو مراجعة سياستها الدفاعية، على رأسها تقوية جيوشها ورفع جاهزيتها، من خلال عزمها على امتلاك أسلحة متقدمة ومتنوعة، إضافة إلى إجراء المناورات المشتركة وتبادل الخبرات ومراجعة العقيدة الدفاعية عموما.
25 مناورة عسكرية بمشاركة دول عربية وغربية وأسيوية منذ بداية 2018، بينها 3 ستتم فى نوفمبر، من أبرز تلك المناورات "النجم الساطع" و"درع العرب"، وقد تنوعت أهداف تلك التدريبات بين مكافحة الإرهاب وتعزيز العلاقات ومواجهة تهديدات المنطقة ودعم الاستقرار، وتهدف هذه التدريبات العربية بالمقام الأول إلى أن تكون نواة تشكيل تكتل قوى بين دول متناغمة سياسيا وتواجه تحديات عسكرية متقاربة، لكن الأمر لا يقتصر على التعاون العربي، حيث تسعى الجيوش العربية إلى تبادل الخبرات مع جيوش من مختلف أنحاء العالم.
ومن هنا ظهر الجيش المصرى كأحد أكثر جيوش المنطقة مشاركة فى تدريبات مختلفة، مع دول عربية وغير عربية، ومع قوى كبرى فى الشرق والغرب، وبحسب تصريحات المتحدث العسكرى المصرى، العقيد تامر الرفاعى، فإن الجيش المصرى شارك خلال العام الجارى فى 19 مناورة وتدريبا عسكريا مع بلدان عدة منها: السعودية والبحرين والإمارات والأردن وروسيا وفرنسا واليونان وإيطاليا وكوريا الجنوبية وروسيا، وتشكل الطبيعة الجغرافية الشاسعة لمصر والتى تجعلها تواجه الأخطار الإرهابية من خلال 5 مسارح للعمليات "البحر المتوسط – البحر الأحمر- الامتداد الشمال الشرقى – الشمالى الغربى – الجنوبي"، وهو ما يعد بيئة خصبة للتدريبات العسكرية بين البلدان المختلفة داخل هذه المناطق، للاستفادة من خبرات الجيش فى التعامل معها بأساليب مختلفة.
وتبدو الإرادة سياسية مصرية بقيادة الرئيس السيسى تدفع باتجاه لعب أدوار أكثر حيوية من حيث تنوع الخبرات العسكرية والانفتاح على المدارس المختلفة فى التدريبات والسلاح، وإن تلك التطلعات دفعت نحو تحرير أسلحة الجيش المصرى من القبضة الأميركية، ولعل مشاركة القوات المصرية بكثافة فى التدريبات المشتركة تستهدف تنفيذ خطط قيادة التخطيط الاستراتيجى داخل الجيش، والتى تبنى رؤيتها الأساسية فى رفع كفاءة العناصر البشرية عبر التعرف على التقنيات الدفاعية والهجومية الحديثة على مستوى العالم، كما أنها تحقق أهدافا على مستوى الأمن القومى العربى ترتبط بتوحيد أنظمة التأمين الفنى المشتركة فى ما بينها حتى يسهل ذلك من المهام المشتركة حال وقوع التهديدات، فضلا عن تجهيز مسارح العمليات المختلفة داخل تلك البلدان.
ويهدف توالى التدريبات بين مصر والسعودية والإمارات تحديدا، إلى تنسيق الجهود العسكرية لتأمين البحر الأحمر من جرائم المتمردين الحوثيين، وأغلبها شاركت فيه وحدات بحرية من البلدان الثلاثة، وأن أسلوب الأعمال العدائية التى اعتاد الحوثيون على ارتكابها تدفع باتجاه الارتكان على تدريبات التدخل السريع والتعامل مع عمليات القرصنة البحرية.
وهو ما كشف عنه اللواء "نبيل أبوالنجا"، مؤسس الوحدة الاستراتيجية 999 قتال "قوات الصاعقة المصرية" عن وجود دور مصرى بتطوير وحدات القتال الخاصة لدى الجيوش العربية، كى تكون هنالك استراتيجية تحرك جماعى موحدة لهذه القوات، وتطويع الأسلحة الحديثة التى حصلت عليها مصر مؤخرا فى إمكانية تحركها لمواجهة التهديدات المحتملة، بحيث تحقق تكاملا على مستوى الأسلحة مع الدول العربية الصديقة، ما يشكل رسالة مباشرة للدول المعادية بأن هناك تنسيقا جماعيا وليس فرديا للتعامل معها.
كما يتضح أن الاهتمام الأساسى بما يسمى بقوات النخبة وتضم "قوات الصاعقة ومكافحة الإرهاب والصاعقة البحرية والقوات الخاصة يشغل الحيز الأكبر من اهتمامات المناورات المشتركة، وأن غالبية الدراسات العسكرية الحديثة تركز على وجود خطط حديثة تتماشى مع أخطار الإرهاب العالمي، وتسعى الدول العربية لتنفيذها فى ما بينها.
وفى هذا الإطار شاركت مصر خلال العامين الماضيين فى مناورات وتدريبات عسكرية كثيرة مع السعودية والكويت والإمارات والبحرين والأردن، وذلك يشير بالضرورة إلى وجود شكل متقدم من أشكال التعاون العسكرى بين هذه الدول يجرى الإعداد له، وقد يتم الإعلان عنه رسميا فى غضون أشهر قليلة من الآن، ويأتى ذلك فى وقت تستعد هذه البلدان لإقامة شراكة استخباراتية فى ما بينها.
ولعل إقامة التدريبات بشكل منتظم ومشاركة كبيرة على مستوى الوحدات والأسلحة، يبرهن على قدر من الجدية فى زيادة التنسيق الأمنى، وأن التقارب السياسى بين دول الرباعى العربى سوف يكون نواة لعمل عسكرى واستخباراتى بين أعضائه، ومعهم الكويت والأردن والمغرب، والذين اتفقوا فيما بينهم على أن هناك تحركات جادة لبلورة شكل متقدم من أشكال التعاون العسكرى بين مجموعة الدول العربية.
غير أنها لن ترقى إلى شكل التحالف التقليدي، وقد تعوض غياب القوة العربية المشتركة التى طرحت منذ ثلاث سنوات، لكن فى الوقت ذاته أن هذه المناورات تعد أقصى درجات التنسيق العسكرى بين البلدان العربية، فى وقت تواجه فيه إقامة تحالفات عسكرية فى ما بينها مشكلات سياسية على المستوى الإقليمى والدولى، وتأتى بالتوازى مع التحالف السياسى بين الرباعى العربى "مصر والسعودية والإمارات والبحرين"، ما يجعل مناورة "درع العرب -1" تأخذ صيغة قريبة من هذا التحالف.
صحيح أن دول الرباعى العربى حاضرة فى غالبية المناورات التى شهدتها المنطقة فى العام الجاري، سواء كان ذلك فى ما بينها أو بمشاركة ثنائية بين البلدان المشاركة فى التحالف، أو بمشاركة دولية من جانب الولايات المتحدة، التى نفذت فى شهر يوليو الماضى مناورة عسكرية بحرية فى البحر الأحمر مع مصر والإمارات العربية.
أو حتى بمشاركة موسكو التى تحتفظ بعلاقات قوية مع القاهرة، ويبقى تنوع أماكن المناورات يعبّر عن استعداد انتقال القوات لمناطق مختلفة على حسب التهديد المحتمل، ما يشى بأن الأمر قد يكون له علاقة بلعب أدوار عسكرية خارج حدود كل دولة منها، وقد تلعب أدوارا مستقبلية بشأن سد الفراغ الذى سوف تتركه القوى المتواجدة فى بعض مناطق الصراعات العربية، غير أن ذلك الدور لم يتبلور حتى الآن.
المهم أن التقارب العسكرى العربى الحالى أصبح يشكل أحد أسلحة الردع فى حال وجود محاولات لإسقاط أى من الدول العربية الأخرى فى براثن نزاعات محلية، على غرار ما حدث فى سوريا والعراق وليبيا، وتعمل الحكومات العربية على عدم السماح بالمزيد من الفوضى، وهى تدرك أن التنسيق فى ما بينها للحفاظ على المؤسسات القائمة حائط الصد الرئيسى للدفاع، ومن ثم تسعى تلك الدول إلى أن تبادل الخبرات واكتساب الجيوش التى لم تشارك فى حروب سابقة خبرات مختلفة على أساليب القتال الحديثة وتوحيد المفاهيم القتالية للدول هى التى تؤسس شراكات استراتيجية.
ويرى مراقبون أن الوضع الأمنى الذى أفرزته التدريبات المشتركة لدى دول ما يسمى بـ"التجمع المتجانس" ينسجم فى جوانبه مع ما طرحته الولايات المتحدة من فكرة تدور حول تشكيل "ناتو عربى" تكون نواته مصر والأردن ودول الخليج العربى، وتقوم فلسفته على حشد أكبر عدد من الدول الصديقة فى المنطقة لمواجهة إيران، ما يعكس أن توالى التدريبات العسكرية عن رؤية عربية تبعث برسائل عديدة للولايات المتحدة بأنها قادرة على التحالف فى ما بينها من دون أن يكون ذلك تحت رعايتها، وهناك مصالح أمنية مشتركة بين الدول العربية يمكن التأسيس عليها، بما يحقق مصالحها، سواء كان ذلك من خلال مواجهة الأخطار الإيرانية أو الإرهاب.
وهنالك خطوطا عريضة يمكن من خلالها تحريك هذه القوات بشكل جماعي، حال تعرض أى منها لخطر وجودى يهددها، وعبر الاتفاق على قيامها بأدوار لحفظ الأمن فى عدد من مناطق الصراعات، وفى تقدير البعض من السياسيين فإن الدول العربية غير مستعدة الآن للدخول فى مواجهات مباشرة مع إيران بما يحقق المصالح الأميركية فقط، بل يبدو حتميا القيام بأدوار لتقليم أظافرها من دون الاشتباك المباشر معها، وهناك إدراك أن الحرب المباشرة مع طهران ستكون مكلفة ولها عواقب سلبية على المنطقة، ومواجهتها بالحصار الاقتصادى والعسكرى تؤثر عليها بشكل مباشر.
أخيرا، ومن وجهة نظرى الشخصية أرى أن الرئيس السيسى كان صافى الذهن مرتاح الضمير إلى حد كبير خلال جلساته مع شباب العالم، لذا كان موفقا للغاية فى وصفه الدقيق والذى ينم عن وعى وخبرة وحنكة اكتسبها عبر السنوات الأربع الماضية، ولقد لمست وضوح الرؤية المصرية فى حديثه خلال جلسة مغلقة مع ممثلى الإعلام فى شرم الشيخ، الثلاثاء 6 نوفمبر حين قال: "إننا بجانب أشقائنا فى الخليج قلبا وقالبا، وإذا تعرض أمن الخليج للخطر وتهديد مباشر من جانب أى أحد، فإن شعب مصر قبل قيادته لن يقبل بذلك وسوف تتحرك قواته لحماية أشقائه".
وأضاف قائلا : "كنا نتمنى أن تلتزم إيران بعدم التدخل فى شؤون الغير، ونتمنى أن يدرك الجميع أهمية احترام ذلك"، مؤكدا فى الوقت ذاته على أن مصر لا تسمح "بالمساس بالأمن القومى العربي، وبخاصة منطقة الخليج"، لقد وجه الرئيس عدة رسائل خلال تلك الجلسة فى تواز تام مع فعاليات التدريب المشترك "درع العرب – 1" وأهمها: قبول الشعب المصرى تحريك قواته لحماية أشقائه، إذا تعرض أمن الخليج لتهديد مباشر، ونوه إلى عدم التدخل فى ليبيا بشكل مباشر، ودعم الجيش الوطنى للحفاظ على الدولة فى صالح العالم كله.
وختم قوله ببلاغة مطلقة حين قال: إن الجماعات الإرهابية تنشط وتقوى عندما تضعف الدولة الوطنية، كما عاد وكرر وأكد من جديد على أن مصر والمصريون يدعمون الاستقرار فى جميع الدول العربية حتى قطر من أجل الحفاظ على مصالح شعوبنا.. فتحية تقدير واحترام للقائد الضرورة فى وقت الضرورة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة