رحلة طويلة كان يقطعها طلاب العلم في قريتنا "شطورة" شمال محافظة سوهاج، تبدأ من السادسة صباحاً، حيث ينتظروا القطار الوحيد الذي يتوقف بمحطة القرية، لينقلهم للمركز "طهطا"، ليبدأ يومهم الدراسي، حيث كانت الظروف المادية وقتها تحول دون ركوبهم سيارات الأجرة.
هذه الرحلة التي كانت يكافح من خلالها الطلاب برودة الشتاء القاسي والظروف المادية الصعبة، ساهمت بشكل كبير في وجود نحو 500 أستاذ جامعي من هذه القرية الفريدة.
وعلى الجانب الأخر، هناك من اختصر كل ذلك، واختزل العناء والشقاء في حفنة أموال يُلقي بها في حِجر النصابين للحصول على ما يعرف بـ"الدكتوراة الفخرية"، التي دأب بعض النصابين على تنظيم حافلات ضخمة في المدن الساحلية وداخل الفنادق الفارهة لتوزيع شهادات الدكتوراة الفخرية على الحضور.
نعم..دون أي عناء يمكنك الآن الحصول على "دكتوراه فخرية" من كبرى الجامعات في العالم، دون أن تتعلم أو تبحث أو تعرف شىء، ما عليك إلا شىء واحد، امتلاك المال.
وزارة الداخلية لم تكن بمنأى عن هذه العصابات المنظمة، التي تجمع ملايين الأموال من الراغبين في الحصول على مثل هذه الشهادات التي تضيف لهم "وجاهة" إجتماعية من وجهة نظرهم، فلاحقت مباحث الأموال العامة هذه العصابات ونجحت في ضبط عدد كبير منها.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، وإنما طور المجرمون من أدائهم، فأعلن بعضهم على السوشيال ميديا بيع شهادات الدكتوراة المزورة مقابل 1200 جنيه للشهادة، وسرعان ما تبارى عليه الراغبين في الحصول على لقب "دكتور"، حتى توصلت مباحث الانترنت لتحديد هويته والقبض عليه.
للآسف..الجريمة تطورت بشكل ملحوظ ونالت كل شىء، حتى التعليم التي تسعى الدولة للحفاظ عليه، باعتباره حائط الصد والآمان لرقي أي مجتمع، لكن هناك عديمي الضمائر الذين يحاولون افساد هذه المنظومة ببيع الشهادات الجامعية والدراسية المزورة لمن يملك المال.
الأمر لا يحتاج فقط لملاحقات أمنية لمزوري الشهادات، وإنما يحتاج لوقفة مع النفس، نحتاج لقرار من الضمير، ينبه الشخص ويوقظه ويشعره بالمسئولية تجاه نفسه والآخرين، حتى لا نرى "طبيب" مزيف بـ"شهادات مضروبة" يعالج الناس بالخطأ فيموتوا، و"مهندس" مزيف بـ"شهادات مضروبة" ينبي العقارات فتقع على الأبرياء ويموتوا، و"محامي" مزيف بـ"شهادات مضروبة" لا يجيد الدفاع عن المظلومين فتضيع الحقوق، عندها ندرك أننا قد قضينا على المجتمع برمته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة