يرجع تقرير الحصانة البرلمانية إلى القرن السابع عشر إثر قيام الثورة الإنجليزية وإقرار الوثيقة الدستورية الشهيرة باسم (Bill of Rights)، التى تضمنت أن حرية الكلام والمحاولات والإجراءات داخل المجلس النيابى لا يمكن أن تكون محلاً للمساءلة أمام أية محكمة أو أى مكان خارج المجلس.
وهذا الإطار التاريخى لنشأة الحصانة البرلمانية هو ما سارت عليه معظم دساتير العالم عند تقريرها للحصانة البرلمانية، حيث وجدت المبرر فى تقرير تلك الحصانة لنواب البرلمان متمثلاً فى عدم إعاقة ممثل الشعب أثناء ممارسة عمله ونزع أى خوف أو تهديد أو ضغط أو رد فعل للحكومة من عين اعتباره.
ومنعت تلك الدساتير ومن ضمنها الدستور المصرى اتخاذ أى إجراءات جنائية بحق أى نائب إلا بعد الرجوع إلى البرلمان التابع له، وعلى ذلك فإن الغاية الأساسية من الحصانة هى تمكين النائب من التعبير بحرية مطلقة عن إرادة الأمة التى يمثلها، فهى ضمانة لحرية العضو فى أن يقوم بواجبه ووظيفته داخل المجلس على أكمل وجه ودون التعرض لأى شكل من أشكال التهديد والضغط والتأثير عليه أو الخوف من أى مسئولية مدنية أو جنائية نتيجة أفكاره وآراءه السياسية وذلك حتى يستطيع مواجهة الحكومة بأخطائها ويدافع عن مصالح المواطنين الذين يمثلهم ويرد عنهم الظلم الواقع عليهم.
فالحصانة تستهدف الحيلولة دون القبض على العضو فيحال بينه وبين أداء عمله على نحو دائم وكامل نتيجة تهديده باتخاذ الإجراءات الجنائية ضده.
ونتيجة لذلك فإن حماية البرلمان لأى عضو من أعضائه عن طريق رفض طلب رفع الحصانة عنه والمقدم من السلطات القضائية بسبب آراء العضو وأفكاره واستخدامه للآليات الدستورية لرقابة السلطة التنفيذية أو محاسبتها هو إجراء صحيح وسليم دستورياً بل هو واجب على البرلمان دون أن يكون ذلك الإجراء به تعدى على مبدأ الفصل بين السلطات لأن البرلمان أثناء حماية نوابه فى ذلك الفرض يمكنهم من أداء رسالتهم على النحو الأكمل.
وعلى النقيض فإن حماية البرلمان لأى نائب ورفض طلب الحصانة عنه فى قضايا فساد مالى أو غير ذلك من القضايا التى تخرج عن الإطار الدستورى المقرر للحصانة البرلمانية فإنه يشكل تعدى على مبدأ الفصل بين السلطات وهدم لمفهوم الدولة القانونية وإساءة لاستخدام الحصانة البرلمانية فى غير الإطار الدستورى الذى تقررت بناء عليه خاصة إذا كان طلب رفع الحصانة المقدم من السلطات القضائية تظهر به جدية الاتهام.
ومثال للتفرقة التى يجب أن يفطن إليها أى برلمان يطلب منه رفع الحصانة من جانب السلطات القضائية ما حدث مع مرشحة الرئاسة الفرنسية السابقة مارين لوبان العام السابق، فالبرلمان الأوروبى وافق على طلب القضاء الفرنسى ورفع الحصانة عن النائبة لنشرها مشاهد ذبح لأحد الصحفيين الأمريكيين من جانب تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابى "داعش" على موقع التواصل الاجتماعى تويتر، فالاتهام الموجه لها كان اتهاماً جنائياً بنشر صور القتل ولم يكن خاصاً بآرائها أو مواقفها السياسية داخل البرلمان الأوروبى على الإطلاق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة