مصرف كتشنر أطول المصارف الموجودة بمصر، طوله 69 كيلومترًا، ويربط بين ثلاث محافظات "الغربية والدقهلية وكفر الشيح"، منها 46 كيلومترًا فى نطاق محافظة كفر الشيخ، وينتهى به الحال فى البحر الأبيض المتوسط ويلوث بحيرة البرلس، وعلى أطرافه 182 قرية يعتمد سكانها عليه فى رى أراضيهم الزراعية وصيد الأسماك.
ويعد مصرف كتشنر من أشد المخاطر التى تواجه سكان تلك القرى بالمحافظات الثلاثة، وأطلق عليه "مصرف الموت"، ورغم إنشائه للصرف الزراعى إلا أن أكثر من 50 منشأة صناعية تصب فيه مخلفاتها، ليجلب جميع الملوثات الصناعية فى مصانع المحلة الكبرى البالغ عددها 28 مصنعا للقطاع الخاص، و4 مصانع قطاع عام، بالإضافة إلى الصرف الصحى الذى بداية من الغربية، ونهاية بالبرلس بكفر الشيخ، يضطر الفلاحون لاستخدام مياه مصرف كتشنر الملوثة بشتى أنواع الملوثات الصناعية والصحية فى رى أراضيهم مما يعرض صحة المصريين للخطر وهو ما يفسر ارتفاع نسبة الإصابة بفيروس سى فى قرى مركز الحامول وبيلا وبلطيم التى يمر بها المصرف، ويصطاد منه الأسماك.
مصرف كوتشنر ملوثات وورد نيل
تاريخ المصرف وأخطاره
ويحمل المصرف اسم القائد البريطانى الأعلى هوراشيو هربرت كتشنر، أيام الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882م، والمصرف حفرته القوات البريطانية فى عام 1893، بطول 85 كيلومترًا، بدءًا من محافظ الغربية، مرورًا بمحافظة الدقهلية، ويمر بعدد من مراكز كفر الشيح يصب ما يحمله من مخلفات صرف صحى وصناعى فيه وصولاً ببحيرة البرلس، ويهدد صحة ما يقرب 11 مليون مواطن، منهم أكثر من 3.5مليون بكفر الشيخ، ويتسبب فى إصابة المواطنين بفيروس سى، ويؤدى لوفاة عدد منهم، ويُلقى فيه من 20 إلى 80 مترًا مكعبًا، من مياه الصرف الصحى والصناعى والزراعى، فى كل ثانية فى بحيرة البرلس.
سعت الحكومات السابقة لحل أزمة المصرف، ففى عام 2006، تم تخصيص 200 مليون جنيه لمعالجته، ولم يتم شىء، وفى عام 2015م، انزعج الرئيس عبد الفتاح السيسى من آثار مصرف كتشنر، ووجه بضرورة الاهتمام بالمصرف ومعالجة مياه المصرف لتصبح صالحة للزراعة من خلال تعاون كافة الجهات المعنية.
وشهد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، السبت الماضى، توقيع عقد التمويل الخاص بمشروع مصرف كيتشنر بقيمة إجمالية 148 مليون يورو المقدم من البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، قام بالتوقيع الدكتورة سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، وسوما شكرباتى، رئيس البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية.
مصرف كوتشنر المصدر الوحيد لري الأراضي
ويهدف المشروع لتحسين الأحوال الصحية والبيئية لسكان محافظات كفر الشيخ والغربية والدقهلية القريبين من منطقة مصرف كيتشنر ودعم تنقية البحر الأبيض المتوسط من خلال برنامج التنقية المتكامل.
وأصدرت وزارة الاستثمار والتعاون الدولى، بياناً يوضح أن المشروع يقوم على 3 محاور،جمع ومعالجة مياه الصرف الصحى المنزلية، وإدارة النفايات الصلبة، وإعادة تأهيل البنية التحتية للمصرف، ويتضمن إعادة تأهيل ما يقرب من 24 محطة معالجة صرف صحى قائمة، والتوسع فى 6 محطات لمياه الصرف الصحى، وإنشاء محطة واحدة لمياه الصرف الصحى، وانشاء أنظمة مركزية لجمع مياه الصرف الصحى، وتشييد بنية حديثة بالتعاون مع أفضل الخبرات الدولية، وتحسين الأحوال الصحية والبيئة لحوالى 11 مليون مواطن فى 182 قرية فى محافظات "الغربية والدقهلية وكفر الشيح" ودعم تنقية ما يصرف من مياه واستغلالها بشكل آمن فى الرى والزراعة.
وهناك دراسة دقيقة وعلمية على ما يجرى فى بحيرة البرلس التى يصب مصرف كوتشنر مياهه فيها أجرتها الدكتورة نبيلة شاهين حسن أستاذة البيئة وفسيولوجيا النبات بجامعة طنطا، وقالت إن البحيرة مصابة بـ9 أنواع من السموم وهناك 9 مصارف للصحى والزراعى والصناعى تصب فى المصرف وفى بحيرة البرلس وأسماك البحيرة ملوثة، مؤكدة أن هناك أمراضا تتعرض لها الأسماك من سموم التلوث أهمها مرض التسمم الدموى الأيرو موناسى وهو مرض بكتيرى ويزامله مرض آخر بكتيرى وهو الميكروب السبحى المكور، وهناك خمسة أمراض أخرى تصيب الأسماك ولاسيما البورى والبلطى، وهى أمراض فطرية وطفيلية مثل مرض الكانديدا، والاسبرجيلاسى، والهيتروفس، والاكيتوبودا، والارجسيلوزيس وقد عثرت البعثة على تسعة أنواع من المرض الأخير.
جانب من الاهمال بمصرف كوتشنر
وأكد المهندس محمود محمد على، برى كفر الشيخ أن بكفر الشيخ 1760 كيلومتر ترع، و1250 كيلومتر مصارف مما يسبب تلوث مياه الرى، وأنه تم حصر عدد المصانع التى تلقى بصرفها الصناعى فى مصرف كتشنر، وتم معالجة مياها بعضها من خلال إنشاء محطات معالجة.
وأكد الدكتور ماجد القمرى رئيس جامعة كفر الشيخ: "هناك خطورة كبيرة على الإنسان بكفر الشيخ لتلوث مياه الرى على صحة الإنسان ودورها فى انتشار أمراض الكبد وخاصة البلهارسيا والفشل الكلوى وأخطرها فيرس سى، ولذا نعمل جاهدين على الانتهاء سريعاً من المستشفى الجامعى بجامعة كفر الشيخ لمعالجة الآلاف من أهالينا بدلاً من توجههم للمنصورة والإسكندرية فى ظل معاناة جسدية ومالية وغيرها".
وأوضح الدكتور محمد محمود أحمد، أستاذ بكلية الزراعة، المياه الملوثة بمصرف كتشنر تصيب الإنسان بالأمراض إذ تروى بها الزراعات وتستقر فى مكونات النباتات، ويأكلها الإنسان، كما أن الإنسان يمكن إن يصاب بهذه الأمراض عن طريق نزول هذه المياه أثناء رى الأراضى الزراعية.
وقال المحاسب أحمد جعفر، أمين الشئون البرلمانية بحزب مستقبل وطن وناقشت أمانة الشئون البرلمانية، أثار مصرف كوتشنر، ومعاناة أهالى 3 محافظات "الدقهلية والغربية وكفر الشيخ"، وخاصة محافظة كفر الشيخ لوقوعها فى أخر نهايات المياه، مما أدى لكثرة المصابين بعدد من الأمراض جراء الملوثات التى يطرحها المصرف فى الزراعات المتعددة، مؤكداً أن حزب مستقبل وطن، مهتم بمشكلة مصرف كوتشنر الذى يصرف فيه مخلفات الصرف الصناعى لـ23 منشأة صناعية بالغربية وكفر الشيخ، وتحتوى مياهه على العديد المواد السامة التى تؤرق أهالى المحافظة، لخطورتها الشديدة على الصحة العامة، واهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بمعالجة المصرف بداية لوضع حد لمعاناة الملايين فى الـ3 محافظات وخاصة محافظة كفر الشيخ.
رغاوي مخلفات المصانع التي تروى بها الزراعات بقلين
وأكد الدكتور محمد جلال مدير مركز أبحاث أمراض الكبد بكفر الشيخ السابق، أن النسبة الفعلية للإصابة بالفيروس بالمحافظة 30%، ولكن هناك من هم مصابين بالمرض ولا يعرفون ولم يتقدموا من تلقاء أنفسهم للكشف عليهم لمعرفة مدى إصابتهم به أو خلوهم منه، مضيفا "رغم أننا ننظم قوافل طبية يشارك فيها أطباء متخصصون من المركز للكشف عن المواطنين والتحليل وفوجئ الكثيرون بإصابتهم بالفيرس وهذا كله سببه مصرف كوتشنر، مؤكداً أن مبادرة 100 مليون صحة التى تبناها الرئيس، وأعلن عنها وتشهدها المحافظة ستعالج المرضى ولكن بقرار الرئيس بمعالجة المصرف سيغلق منبع المرض.
وقال محسن محمد علب مزارع، مصرف الغربية الرئيسى المعروف بمصرف كتشنر يستخدمه فلاحو قرى الحامول، ونروى منه مساحة 11 ألف فدان أرز، وهى مساحة بدأت تتلف بسبب استخدام مياه الصرف الصحى والصناعى، بالإضافة إلى استزراع مساحة 4 آلاف فدان بمياه الصرف غير المعالج، وإعادة استخدامه للمرة الثانية مما يزيد من معدلات التلوث فى الأسماك، ويشكل خطورة على الصحة العامة فى حالة استهلاكها مشيرا إلى أن هذه المنطقة بها 6 جمعيات للاستصلاح الزراعى".
ولفت الدكتور محمود محمد على أستاذ أمراض الكبد، إلى أن مصرف كتشنر شديد التلوث أصاب مواطنى المحافظة بأمراض الفشل الكلوى وأمراض الكبد والتيفود والأمراض المتوطنة كالبلهارسيا فى ظل غياب كامل لمسئولى وزارة البيئة وكذلك الحكومات السابقة، ولم تستطع الحكومات إنقاذ حياة مئات المرضى الذين يموتون بشكل يومى بسبب تناولهم الخضراوات والفواكه الملوثة بعد إصابتهم بالفيروسات الكبدية.
وأضاف أستاذ أمراض الكبد، أكثر من 60% من أبناء المحافظة مصابون بفيروس سى القاتل، وسجلت كفر الشيخ أعلى نسبة إصابة بالفيروس على مستوى الشرق الأوسط إذ توجد قرى كاملة يحمل أبناؤها الفيروسات الكبدية وأكثر من 40% من أبناء المحافظة تمكن المرض من أجسادهم حتى وصلت نسبة تدمير الكبد عندهم إلى أخطر مرحلة وهى F4، والتى تعنى أن الكبد قد انتهى بسبب كل هذه الملوثات، ويستقبل مركز أبحاث الكبد والقلب بكفر الشيخ أكثر من 500 مريض يوميا بخلاف ما يستقبله الجهاز الهضمى بمستشفى جامعة المنصورة من حالات مصابة بالفيروسات الكبدية من أبناء محافظة كفر الشيخ، بينما تستقبل وحدات الغسيل الكلوى عشرات المرضى يوميا بسبب تزايد نسبة الفشل الكلوى.
رغاوي الضارة بحياة الانسان وبالنبات
وقال المهندس حسن صالح، إن الأهالى الواقعة منازلهم على هذا المصرف خاصة على طريق كفر الشيخ – الحامول يلقون بمخلفات الصرف الصحى فى المصرف ما يُعَد كارثة بيئية وبعلم المسئولين، فبمجرد أن تنظر للمصرف خاصة من أمام قرية المناوفة والعشرية ترى عشرات مواسير الصرف الصحى (الترنشات) منطلقة على المصرف الذى يروى أكثر من 300 ألف فدان أمام مرأى ومسمع من الجميع دون اتخاذ أى إجراءات قانونية، والغريب فى الأمر أن الأهالى أكدوا إلقاء السيارات التابعة للوحدات المحلية الصرف الصحى، بالمصرف بعد ان يقوموا بكسح "الترنشات"، بالإضافة إلى مساكن الشباب والتى بنتها الحكومة فى مدينة الحامول فتتخلص من صرفها الصحى بمصرف كتشنر إذ أن المساكن تطل على المصرف مباشرة.
وأكد أيمن محمد بدير طالب بكلية الحقوق، أن الكارثة لم تطل أهالى المحافظة فقط ولكن ما هو أخطر أن كفر الشيخ تُصَدِّر فيرس "سى" للمحافظات الأخرى بسبب رى الخضراوات والفاكهة والأرز من تلك المياه الملوثة والمزارع السمكية المنتشرة فى عدد من قرى المحافظة وتعتمد على مياه مصرف كتشنر وتنتج كفر الشيخ 40% من الأسماك، و40% من الأرز وتنقل الخضراوات والأرز والأسماك لأنحاء الجمهورية فتكون الإصابة بالأمراض الفتاكة لم تنل من أهالى المحافظة بل والمحافظات الأخرى.
اثار مخلفقات المصانع بالمياه
وقال جورج مجدى سليمان محاسب بالهيئة القومية للبريد: "أحيى الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى أعلن عن وضع حد لذلك المصدر الذى دمر حياتنا وأتمنى أن تنتهى بسرعة معالجته للقضاء على التلوث الذى أصاب حوالى مليون من أهالى كفر الشيخ بأمراض الفشل الكلوى وأمراض الكبد والتيفود والأمراض المتوطنة كالبلهارسيا، فى ظل غياب كامل لمسئولى وزارة البيئة، وكذلك الحكومات السابقة المتعاقبة، حيث تحتل المحافظة صدارة المحافظات الأكثر إصابة بتلك الأمراض الخطيرة وأهالى كفر الشيخ لديهم أمل فى إصدار الرئيس أوامره لإنقاذهم".
وقال محمد عبد الله عبد الوهاب، صياد، إن المئات من الصيادين يصطادون الأسماك من المصرف بقوارب صيد صغيرة وشباك صيد مختلفة ويعيش على صيد الأسماك الناتجة منه مئات الأسر منذ عشرات السنين رغم علمهم بالخطورة الصحية للأسماك ولكنهم يبحثون عن الرزق كما يواجه صيادو مصرف كوتشنر والفلاحون الكثير من الأمراض لنزولهم وسط المياه الملوثة الناجمة من مخلفات الصرف الصحى والصناعى لتثبيت الشباك والجوابى، كما يخوض الفلاحون فى المياه أثناء ريهم للأراضى مما أصابهم بأمراض الفشل الكلوى وفيروس C والبلهارسيا والأمراض الجلدية، وغيرهم، مؤكداً لدينا الأمل منذ اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى، وتوجيهه للحكومة بسرعة معالجة مياه المصرف إلا أنه لا توجد خطوات على أراض الواقع تدل عل اهتمام الحكومة بذلك وما هى إلا اجتماعات ووعود فقط دون معالجة حقيقية للمياه.
وقال أحمد الجزايرلى، شيخ الصيادين بالبرلس، إن أهالى محافظة كفر الشيخ مصابون بفيرس سى لسببين الأول لأن الأراضى تروى بمياه المصرف اللوثة بالإضافة إلى أن الأسماك بالمصرف ملوثة، والأهالى لا يعتمدون فى طعامهم إلا على السمك وناتج الأرض الزراعية وكلاهما ملوث لذا يولد الطفل مصاباً بالأمراض ومنها فيرس سى، ومهما قدمت الدولة من علاجات للأمراض فنسبة ازدياد الإصابة مستمر لاستمرار تلوث المصرف الذى يعتمد عليه الأهالى فهو مصدر رزق لهم باصطياد الأسماك، ومصدر رى رئيسى للزراعات، فالحرمان منه موت واستخدامه موت فيفضل الاهالى التعامل معه بطريق مباشر أو غير مباشر وكلها أسباب تؤدى للمرض والهلاك ولا مفر من ذلك.
وأضاف الجزايرلى، الخبير بالأسماك يعرف الفرق بين أسماك المزارع السمكية وأسماك مصرف كوتشنر أو المصارف والترع المتفرعة منه فالأسماك بمصرف كوتشنر تزداد فيها نسب الدهون وتنبعث منها رائحة السولار ولحومها تمثل ضررًا على الصحة العامة لتغذيها ومعيشتها داخل الملوثات، سواء القراميط أو أسماك البلطى، ويصل وزن أسماك القراميط ل 15 كيلو للسمكة وينصح بعدم أكلها لضررها أما الأسماك التى تربى فى المزارع غير ضارة خاصة من تغذى على الأعلاف أما ما يغذى على السبلة فهناك فرق قليل بينه وبين أسماك مصرف كوتشنر.
وأكد الدكتور إسماعيل طه، محافظ كفر الشيخ، الدولة تتكاتف بتعليمات من الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية لإقامة محطات معالجة مصرف كوتشنر على مراحل بتكاتف كافة الوزارات والحصول على معونات لدعم المشروع، وهناك اهتمام كبير من كل الجهات المعنية بهذا الملف.
جانب من الرغاوي
ورد النيل والحشائش تغطي ترعة المقطم بقلينم