ضمن مؤشرات التنافسية العالمية في القرن الحادي والعشرين، هناك معايير تنمية بشرية متطورة، منها نسبة تمثيل المرأة في البرلمانات الوطنية، ومراعاة قواعد التوازن بين الجنسين في مختلف مجالات الحياة، وفي القليل من برلمانات دول العالم لا تكاد نسبة النساء تصل إلى 40% من إجمالي مقاعد البرلمان، ومن بين أعلى النسب (بحسب إحصاءات البنك الدولي لعام 2017) نجد ـ على سبيل المثال ـ ايسلندا (48%) واثيوبيا وأسبانيا والأرجنتين (39%) والسنغال (42%) والسويد (44%) والمكسيك (43%) والنرويج (40%) وبوليفيا (53%) وجنوب أفريقيا (42) ورواندا (61%) وفنلندا (42%) ونيكاراجوا (46%).
الكثير من دول العالم تتبنى ما يعرف بنظام الكوتا الجندرية، والتي تعني تخصيص نسبة من المقاعد للمرأة في البرلمان، كآلية تطبق وفق معايير محددة لضمان تعزيز وجود المرأة، لفترة قد تطول أو تقصر بحسب الثقافة والوعي السياسي السائد، وهناك تقريباً ما لا يقل عن ثلاثين من دول العالم تنص على هذا النظام في دساتيرها.
المؤشرات الحالية لتمثيل المرأة في البرلمان بدولة الامارات تتماهى مع المتوسط العالمي للتمثيل النسائي في البرلمانات والبالغ نحو 23% تقريباً، حيث تبلغ نسبة مشاركة المرأة في المجلس الوطني الاتحادي بدولة الامارات نحو 5ر22% من إجمالي عدد أعضاء المجلس، وقد جاءت توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ بشأن رفع نسبة تمثيل المرأة الإماراتية في المجلس الوطني الاتحادي إلى 50% ابتداء من الدورة القادمة، لتضاف إلى مجمل سياسات الدولة في تمكين المرأة وتقليص الفجوة بين الجنسين وتحقيق التوازن الجندري، الذي بات أحد معايير التنمية البشرية الهامة.
هذه التوجيهات التي تتزامن مع احتفالات دولة الامارات بالذكرى السابعة والأربعين للتأسيس، تتماشى مع طفرة نوعية في التخطيط للمستقبل عبر رؤية استراتيجية واعية للإمارات 2021، ورؤية مئوية الامارات 2071، وهما رؤيتان تنمويتان متطورتان ومتكاملتان تستهدفان وضع الامارات في صدارة دول العالم، الأمر الذي يستلزم استنفار الموارد البشرية المواطنة كافة، وتعزيز الاستثمار في العنصر البشري، باعتباره الرهان الأول للتنمية والتميز والابداع واستكمال بناء النموذج والحلم الاماراتي. ومن ثم فإن المسألة لا تتعلق فقط بتمكين المرأة بل بتمكين المجتمع عبر تمكين المرأة كما سبق أن قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، فخطوة رفع نسبة تمثيل المرأة في البرلمان، هي خطوة تتماشى تماماً مع توجهات الدولة المستقبلية، وتحقق التمكين الكامل للمرأة الإماراتية، وترسخ دورها المؤثر في التنمية، ورغم أنها تعد تأكيد لثقة القيادة الرشيدة في بنت الامارات، فإنها تعد كذلك اختبار لقدرتها على مواصلة النجاحات والإنجازات التي حققتها في ميادين العمل والمناصب التي تولتها كافة.
تعزيز تمثيل المرأة سيضيف للنموذج الاماراتي التنموي زخماً جديداً، فتمكين المرأة في الامارات لا يقتصر على مؤشرات رقمية في البرلمان والوظائف فقط، بل يمثل منظومة متكاملة لحماية حقوق المرأة، وصونها، وهذا أمر نادر بشكل عام على المستوى العالمي، فالتقديرات العالمية تشير إلى أن العالم بحاجة إلى نحو مائة لإنهاء الفجوة بين الجنسين، كما أن المعدلات التمثيلية العالية للمرأة في بعض برلمانات العالم لا تعني بالضرورة وضعاً عاماً جيداً للمرأة في تلك الدول من حيث التوازن بين الجنسين، والأهم ما يتعلق بالبنية التشريعية الحامية لحقوق المرأة، وخصوصاً ما يتعلق بحماية المرأة من العنف وضمان حقوقها الوظيفية سواء في ما يتعلق بالمساواة في الرواتب أو غير ذلك، وهي مسائل وإشكاليات تعانيها المرأة في كثير من الدول حتى الآن.
ما يعزز أهمية توجيهات صاحب السمو رئيس دولة الامارات بشأن رفع نسبة تمثيل المرأة في البرلمان إلى النصف أنها تأتي بعد أيام قلائل من اعتماد مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ، حزمة قرارات تخص المرأة الإماراتية، ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية على صعيد التشريعات والسياسات، والخدمات والتمثيل الدولي، للمرأة الإماراتية، أهمها ما يتعلق بزيادة إشراك العنصر النسائي في كافة المجالات محلياً وعالمياً، ولاسيما في التمثيل الدبلوماسي وفي بعثات الدولة إلى المنظمات الدولية، وزيادة نسبة مشاركتها في العمل القضائي على مستوى المحاكم الاتحادية في الدولة، كما شملت حزمة التشريعات الجديدة مقترح إصدار القانون الاتحادي حول مكافحة العنف الأسري، ودراسة مجموعة من المحفزات لزيادة مشاركة المرأة في قطاع الأعمال، ومنها تطوير السياسة الوطنية بشأن ريادة الأعمال للمرأة الإماراتية، وتوفير تسهيلات خاصة لتراخيص ريادة الأعمال ومزاولة العمل الحر للنساء، ودراسة سبل السماح للمرأة بإصدار التراخيص وتأشيرات للعمالة بهدف التشجيع على إطلاق مشاريع الخاصة، وتعزيز مشاركة المرأة في مجال العلوم المتقدمة.
هي مرحلة جديدة في تاريخ المرأة الإماراتية، وطفرة نوعية في مسيرة تقدم دولة الامارات، التي تتجه بكل جرأة لمواكبة معايير ومتطلبات العصر، متحدية ما يدور حولها في منطقة لا يعرف العالم عن الكثير من دولها ومناطقها سوى أخبار الصراعات والأفكار الظلامية التي رسمت صورة بائسة للعالمين العربي والإسلامي.
إنها رسالة الامارات ودورها الإنساني والحضاري في التنوير وتبديد الظلام، وتوظيف مواردها البشرية كافة في استكمال بناء الحلم الاماراتي للقرن الحادي والعشرين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة