النظام التعليمى الجديد القائم على المعرفة والتفكير والبحث والإبداع، سيواجه فى المرحلة الأولى بكثير من الاستهجان المدعوم من أصحاب المصالح وجمعيات المنتفعين من نظام التعليم البائد الفاشل، فأولياء الأمور سيرتبكون وسيخافون على أبنائهم من الفشل، وبحكم العادة سيرفضون التغيير ويتساءلون عن جدواه لأنهم هم أصلا لا يفكرون ونشأوا على النظام التعليمى القديم وارتضوا البؤس وضيق الحال وعمل ما يطلب منهم وما يملى عليهم وأصبحوا فى كل مسألة وإن كانت تافهة يسألون الشيوخ والوعاظ.
وأصحاب المصالح من مافيا الدروس الخصوصية ومافيا الكتب الخارجية وملازم الامتحانات سيحاولون الالتفاف على مناهج النظام الجديد وطباعتها بدون ترخيص بعد كسر رقبتها وتحويلها إلى نظام السؤال والإجابة الجاهزة، أما الطلاب الذين لم يعتادوا التفكير فسيحتارون أول الأمر لكنهم عندما يكتشفون الآفاق الجديدة للمعرفة التى انفتحت أمامهم سيتحولون تدريجيا إلى باحثين عن المعلومات لا حافظين لها ومفكرين فى إجابات تخصهم عن أسئلة الوزارة فى الامتحانات وعن أى أسئلة أخرى فى الحياة الدراسية والحياة العملية بعامة، وفى كل الأحوال سيقودهم منهج البحث والتفكير إلى أن يتحول التعليم بالنسبة إليهم إلى متعة ووسيلة لاكتشاف أنفسهم وتوجهاتهم الحقيقية.
بنك المعرفة المصرى ونظام التعليم الجديد هو بمثابة عودة الروح للمجتمع المصرى بكامله، وهو لن يأتى بنتائج واضحة خلال عام أو عامين، لكنه سيغير طبيعة التعليم بأكمله ونوعية الخريجين ومستوى إجادتهم لتخصصاتهم خلال عدة سنوات، سيتحول الفصل الدراسى خصوصا بالنسبة للشهادات العامة من موسم تعذيب للأسر والبيوت المصرية إلى سنة عادية جدا يقرر فيها الطلاب التوجه العلمى الذى يتخصصون فيه، وستنتفى الحاجة إلى كل المنظومة الاقتصادية السوداء المتعلقة بالدروس الخصوصية والكتب الخارجية التى تستنزف ميزانيات ملايين الأسر المصرية سنويا.
وعندما يقرر الطالب دراسة الطب أو الحقوق أو الآداب مثلا، فهو سيختار تخصصه لأنه الأنسب له، لن يكون هناك كليات قمة وكليات قاع ولن يكون خريج الحقوق أدنى من خريج الهندسة أو أن تكون كليات التجارة مأوى لكل من فشل فى الحصول على مجموع يناسب التخصص الذى يريده، سيدرس كل طالب ما يريده فعلا بناء على ما يكتشفه فى نفسه من ميول، وهذه الخطوة ضرورية وأساسية للإبداع والابتكار، لأن الطلاب عندما يتخصصون فيما يحبون سيضيفون إليها وسيجيدون استيعابها تمام الإجادة وسيعود من جديد المعلم المصرى المتفوق والطبيب المصرى المتفوق والمهندس المصرى المتفوق، وبدلا من خسارتنا المتتابعة لنسب العمالة فى أسواق العمل العربية والدولية ستزداد الفرصة أمام الخريجين المصريين فى أسواق العمل لأنهم تلقوا تعليما جيدا ولأن مستوياتهم تؤهلهم لأن يكونوا إضافة بأى قطاع يعملون فيه.
إذن النظام التعليمى الجديد المعتمد على بنك المعرفة والبحث والتفكير، ليس مجرد نظام متعلق بالتعليم الأساسى أو نظام الثانوية العامة، بل هو رؤية مستقبلية شاملة تربط التعليم بالإبداع والابتكار والبحث العلمى، كما تربط الخريجين بأسواق العمل فى مصر والخارج، وفى الوقت نفسه يتطلع هذا النظام إلى استهداف اقتصاديات البحث العلمى، فعندما تزيد أعداد الباحثين والمخترعين والمبدعين والمفكرين فى المجتمع يتعاظم دخله واقتصادياته، ويستطيع اللحاق بالمجتمعات المتقدمة التى تدعم مجتمع المعرفة، ونظرة واحدة على الصين والهند حاليا سنجد أن نهضتهما الاقتصادية والتكنولوجية وتقدمهما على بلاد أوروبية كبيرة، إنما جاء لدعمهما البحث العلمى ومجتمع المعرفة وآليات الإبداع والابتكار.
ما نراهن عليه من خلال النظام التعليمى الجديد، أن تعتمد الأجيال الجديدة مفاهيم البحث والإبداع، وتتجه إلى التطبيقات التكنولوجية الجديدة لتصمم وتخترع وتقدم الجديد الذى يخصها، كما يمكنها التواصل مع كبريات الشركات العالمية وعرض ابتكاراتها، ومن ثم التحول تدريجيا إلى اقتصاد المعرفة وتحقيق الطفرة التنموية المنشودة، ويكفى أن نعلم أن شركة واحدة من كبريات شركات المحمول فى الصين تتجاوز ميزانيتها السنوية ثلاثين دولة أفريقية مجتمعة، وهى لا تحقق ذلك إلا بالبحث والإبداع، ونحن بدورنا هل نستطيع؟ والإجابة من وجهة نظرى: نعم نستطيع إذا أطلقنا الطاقات الإبداعية لكل مصرى.