د.محمد عبد اللطيف

القضاء الموحد.. المزايا والعيوب

الجمعة، 21 ديسمبر 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تعد رقابة القضاء على أعمال الإدارة أهم وأقوى صور الرقابة، وأكثرها ضماناً لحقوق الأفراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وحياد وما تتمتع به أحكام القضاء من قوة وحجية يلتزم الجميع بتنفيذها واحترامها بما فى ذلك الإدارة وإلا تعرض المخالف للمساءلة، وهناك نوعين من الرقابة القضائية على أعمال الإدارة لا يميز النوع الأول بين الأفراد والإدارة فى مراقبة تصرفاتهم ويخضعهم لنظام قضائى واحد هو القضاء العادى ويسمى بالقضاء الموحد، أما الثانى فيسمى بالقضاء المزدوج ويتم فيه التمييز بين منازعات الأفراد ويختص بها القضاء العادى والمنازعات الإدارية وتخضع لقضاء متخصص هو القضاء الإدارى .

 

وقد تردد فى الأوساط القانونية فى مصر أن هناك رغبة من جانب بعض النواب فى طرح تعديلات دستورية على النظام القضائى المصرى والأخذ بنظام القضاء الموحد بدلا من نظام القضاء المزدوج، ونتيجة لذلك يتم حل مجلس الدولة وتوزيع قضاته على القضاء العادى، ويرى بعض أهل الاختصاص، والسلطة التشريعية، أن القضاء الموحد سيوفر النفقات والوقت ويبسط الإجراءات وتوحيد النظام القضائى بمعنى أن المحاكم العادية تتولى الفصل فى المنازعات الإدارية أو منازعات الأفراد وتتولى جهة واحدة الفصل فى جميع القضايا على اختلاف السلطات المصدرة لهذا القرار ويؤيدون حججهم بأن أعتى الدول فى مجال الحريات وهى إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية تأخذ بنظام القضاء الموحد .

 

وهنا لنا رأى، فى النظام الموحد للقضاء، فالأساس الذى تم الاستناد إليه عند تطبيق القضاء الموحد فى إنجلترا على سبيل المثال أن الإدارة كقاعدة عامة غير مسئولة عن أعمالها فى مواجهة الأفراد وإذا ما سوئلت على سبيل الاستثناء عن بعض أعمالها فإن ذلك يكون على سبيل الاستثناء وتخضع فى ذلك الفرض إلى القواعد القانونية التى تنظم العلاقات بين الأفراد، ويرجع مبدأ عدم مسئولية الدولة إلى قاعدة قديمة مضمونها أن الملك لا يخطئ أبداً، وبما أن الدولة تندمج فى التاج أو تتجسد فى الملك فإن الدولة لا تخطئ ومن ثم لا تثور مسئوليتها، ويرجع أيضاً مبدأ عدم مسئولية الدولة إلى فكرة قانونية مؤداها أن العلاقة بين الموظف والدولة هى علاقة تعاقدية تستند إلى فكرة الوكالة، وبالتالى فإن الموكل غير مسئول عن أخطاء الوكيل لأن هذه الأخطاء تخرج عن نطاق الوكالة وبالتالى يكون الموظف مسئولا مسئولية شخصية عن أخطائه .

 

وهذا هو الأساس الذى استندت إليه الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار أنها ورثته من الاستعمار الإنجليزى بالرغم من أنها ليست دولة ملكية .

 

والرقابة القضائية على الإدارة فى هذا النظام وصلت فى تطبيقها إلى أبعد مدى فلم تقتصر على مراقبة مشروعية أعمال الإدارة، وإنما تناولت ملاءمتها والتعويض عنها بل إلى حد توجيه أوامر إلى الإدارة بالقيام بعمل معين أو الامتناع عنه أى وصلت إلى ما يعرف بالسلطة الرئاسية .

 

أما من ناحية نتائج الأخذ بالقضاء الموحد فى إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية نجد أن إنجلترا بدأت فعلياً بالأخذ بنظام القضاء المزدوج فى بعض صورة، فنتيجة لتزايد معدل المنازعات الإدارية بدأت فى تكوين لجان إدارية خصها المشرع ببعض المنازعات الإدارية وأخرجها من ولاية القضاء الموحد كما أن هناك اتجاهاً فقهياً قوياً ينادى بإقامة قضاء إدارى متخصص يكون أكثر دراية بطبيعة المنازعات الإدارية ولو كجهة استئنافية لقرارات اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائى سالفة الذكر .

 

وعلى ذلك يتضح أن عيوب القضاء الموحد ظهرت بوضوح فى كونه يخل بمبدأ الفصل بين السلطات ويجعل السلطة القضائية بمثابة سلطة رئاسية على السلطة التنفيذية، كما يقرر المسئولية الشخصية للموظف العام كقاعدة عامة، كما أن القاضى العادى لا يكون متخصصاً وملماً بالمنازعات الإدارية لاختلاف أساسها عن منازعات الأشخاص فالسلطة التنفيذية تتعامل بوصفها سلطة عليا آمرة ذات سيادة فى المنازعات الإدارية، مما يختلف معه الحكم والقواعد القانونية الواجبة التطبيق فى منازعات القانون الخاص.

 

وعلى النقيض فإن القضاء الإدارى يتسم بالتخصص والمرونة وإنشاء المبادئ والقواعد القانونية - حال عدم وجود نص تشريعى - التى تكفل ضمانة حقيقية لحقوق الأفراد وحرياتهم فى مواجهة تعسف السلطة التنفيذية وضمانة فعالة لسلامة تطبيق القانون وفى ذات الوقت ضمان استمرار المرافق العامة بانتظام وإعلاء المصلحة العليا للدولة.

 

وكلمة حق أن القضاء الإدارى فى مصر، تفوق على نظيره الفرنسى ذاته - مهد القضاء المزدوج - وأسس لقواعد ومبادئ قانونية أثرت الفقه القانونى ذاته

 

كما أن هناك اتجاها عالميا للأخذ بالقضاء المزدوج حتى فى إنجلترا مهد القضاء الموحد.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة