منذ أن قرر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الأسبوع الماضى، سحب قواته العسكرية من سوريا، تعالت ردود الأفعال من أركان الكرة الأرضية الأربعة ومن داخل الولايات المتحدة نفسها، وزير الدفاع جيمس ماتيس أحد القادة الكبار فى العسكرية الأمريكية يعلن استقالته، غضب فى أوساط الحزب الجمهورى واعتراضات بين الديمقراطيين، وحتى البنتاجون يرفض القرار تقريبا، ويحاول التحايل بتمرير قانون بعد توقيعه من ترامب نفسه يسمح بوجود وحدات أمريكية خاصة فى الأراضى العراقية بمحاذاة الحدود السورية، حيث يمكنها الدخول والإغارة على القوات المنسوبة لداعش التى تريد واشنطن القضاء عليها منذ سنوات.
روسيا لا تخفى سعادتها بالقرار الأمريكى الذى يعنى انتصارا رمزيا لها ولمعسكرها الذى يضم إيران إلى جانب بشار الأسد فى مواجهة الميليشيات المسلحة، واعتبر مسؤولون روس قرار ترامب بالانسحاب قرارا صائبا، وإن أبدى وزير الخارجية سيرجى لافروف وعدد من مساعديه تريثهم لحين وضوح الرؤية ومعرفة آليات تطبيق القرار، وما إذا كان سيعنى انسحابا حقيقيا أم إعادة توزيع القوات على الأرض.
إيران بدورها، اعتبرت القرار تصويبا لخطأ كارثى ارتكبته واشنطن من البداية، ويرى آيات الله فى طهران أن الفرصة سانحة لتعزيز الوجود فى مختلف المناطق السورية، ليس فقط بالقتال إلى جانب الجيش العربى السورى، ولكن من خلال عمليات الإعمار المحدودة والمنتظر أن يتم التوسع فيها مستقبلا بعد إقرار نظام انتخابى جديد وتوجيه مليارات الدولارات إلى إعادة اللاجئين السوريين فى أوروبا إلى أراضيهم.
نتانياهو لم ينتظر، وفور إعلان ترامب عزمه على سحب القوات الأمريكية، أعلن أن سوريا ستكون ميدانا لحرب مع إيران على كافة المستويات، وهو بذلك يشير إلى إمكانية أن يحل محل الأمريكان فى الهيمنة الجوية على مناطق محددة من سوريا وتنفيذ ضربات ضد المصالح الإيرانية فى سوريا بتكليف أمريكى أو لرغبة أمريكية بعدم التورط فى تنفيذها، ومن ناحية أخرى يخوض نتانياهو حربه الاستعمارية لسلخ الجولان السورى عن الدولة السورية وضمه إلى إسرائيل من خلال تكريس وجوده العسكرى فى سوريا بزعم سد الفراغ الأمريكى ومواجهة الإرهاب.
أنقرة أردوغان كانت تستعد لتوسيع عملياتها العسكرية شرق نهر الفرات لضم مزيد من الأراضى السورية والعراقية، ومنع أى انتشار للقوات الكردية المدعومة أمريكيا والمسماة بقوات سوريا الديمقراطية، إلا أن أوامر واشنطن أرجأت تنفيذ عملية الاجتياح الجديدة التى كان أردوغان يستعد لاستخدامها سياسيا كعادته للتشويش على تردى الأوضاع الاقتصادية وتراجع الاستثمارات وانهيار الليرة التركية، ومع ذلك أعلن أردوغان ومسؤولوه العسكريون أنهم لن ينتظروا طويلا حتى يبدأوا تنفيذ عملياتهم العسكرية شرق الفرات.
الدول الأوروبية الكبيرة شركاء ترامب فى حلف الناتو غاضبون من إعلانه الانسحاب من سوريا، فقد أعلنت فرنسا وبريطانيا وألمانيا عزمها الإبقاء على وجودها هناك، مع دعم قوات سوريا الديمقراطية فى الشمال السورى، مع دعوات الأكراد بفرض منطقة حظر جوى أوروبية على مناطق الشمال المحاذية للحدود التركية لمنع أى هجوم تركى مع توعدها بالقتال لآخر رجل حال اجتياح أردوغان مناطق السيطرة الكردية.
مع عناصر الصورة هذه، هل يمثل انسحاب القوات الأمريكية من سوريا نوعا من الحل؟ هل يمثل بداية التهدئة فى الأراضى السورية على أساس أن انسحاب الأمريكيين لابد وأن يعقبه بالضرورة انسحاب بقية أطراف الصراع؟ أم أن واشنطن لن تسمح أصلا بعودة الهدوء إلى سوريا إلا بعد تنفيذ مخططها الرئيسى بتقسيم الأراضى إلى عدة دويلات أو تدمير البلاد كليا؟ الأرجح أن ترامب لم يقصد نهائيا عودة السلام إلى الأراضى السورية، ولكنه كان دقيقا فى وصفه المرحلة الجديدة من الحرب على الأراضى السورية التى يجب أن يخوضها الآخرون.
وللحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة