لا أعرف كيف اختفت قضية الأخلاق فجأة من حياتنا وتجاهلناها بهذا العناد، رغم أن الأخلاق فى المجتمعات الإنسانية بأهمية الأوكسجين فى الحياة فكلما قلت الإخلاق والفضائل اختنق المجتمع وفسدت حياة الناس وتشوهت علاقاتهم.. فتنعدم الثقة بينهم ويزداد التحفز ويسهل انقلابه إلى غضب وعنف، لذلك نتبادل نظرات عدائية فى الشوارع، نظرات انفعالية فيها تحفز وترصد وتنمر، نتبادلها مع بعضنا البعض باعتياد غريزى حتى أصبحت الابتسامة من علامات البلاهة فإذا كنت تمشى أو تقود سيارتك مبتسما ففيك حاجة غلط.. أنت نفسك قد ترتبك لو ابتسم لك واحد لا تعرفه فى الشارع، وقد لا تجد أريحية فى تقبل هذا الأمر، رغم أنه الطبيعى فى أى مجتمع متجانس أخلاقيا، إن هناك ثقة وطمأنينة فيكون أقل تعبير عن ذلك أن يبتسم الناس لبعضهم البعض فى الشوارع.. هل هذا صعب أن نحاول أن نبتسم لبعضنا البعض إذا تلاقت أنظارنا أن نتعامل ببعض الثقة والاحترام بلا تشكك أو سوء ظن.
أن ننسى شعارات كثيرة الفناها وحفظناها فى العقود الأخيرة شعارات كلها سخط وغضب وشك فى المجتمع والناس وكأننا نعيش غرباء فى بلادنا فنشتم بعلو أصواتنا «بلد منيلة وشعب غبى وناس فاسدة.. إلخ»، وفى حقيقة الأمر نحن نشتم أنفسنا وكلما علت أصواتنا سمعنا أطفالنا وزايدوا معنا فى كراهية هذا المجتمع البغيض.. لا أعرف كيف انفصلنا عن واقعنا وعن حقيقة أننا جزء من هذا الكل الذى نسبه، وكيف نسأل أبناءنا عن أخلاق أو انتماء بعد كل هذا الشتم.. معادلات غير متزنة تماما تحكم رؤيتنا للأمور فتزداد تعقيدا.. نحن نخرج أطفالا معقدين بلا أن ندرى.. ثم نعانى بعد أن يكبروا من نظرتهم المتشائمة وأنانيهم المفرطة وكراهيتهم لكل شىء وصعوبة إرضائهم مهما زادت التضحيات.. ونتباكى على علاقاتنا بآبائنا وكيف كان الإحساس الدائم بالتقدير والامتنان.. ولكن أباءنا لم يحرمونا من حرية الشارع والتجول فيه ولم يرعبونا من الناس والغرباء ولم يقنعونا أن معظم المجتمع من المجرمين والفاسدين والمتحرشين والحاقدين.. لم يشككونا فى قدرات مجتمعنا أو ضمائر شعبنا من خلال سب وشتم عشوائى سخيف.. لم يسمموا أفكارنا وفطرتنا رغم أن حياتهم كانت لا شك أصعب.. لذلك نشعر أن الحياة قاسية، ولكن نادرا ما نتصارح بأننا سبب فى ذلك فنحن أمام سلسلة من المشاعر السلبية وردود الأفعال العنيفة والأفكار السيئة التى نتداولها ونزايد فيها وننقلها بسوادها للأجيال المقبلة، بالله عليكم كيف نعلم أبناءنا أى قدر من الأمل أو التفاؤل ونحن أمامهم مثال حى للتشاؤم واليأس.. كيف نعلمهم قيمة مثل الرضا والمحبة إذا كنا بهذا القدر من التنافر والسخط.. ولماذا أقتنعنا وسلمنا بأننا مجتمع بهذا السواد رغم أن الخير مازال فينا موجودا.. آلاف المؤسسات الخيرية والجمعيات الأهلية والمستشفيات تعتمد كل مواردها وأنشطتها على تبرعات الناس ومجهوداتهم التطوعية.. كمية الأغذية والصدقات التى يتسابق الأغنياء والفقراء على توزيعها فى شهر رمضان والأعياد تصل إلى مليارات.. الأم المصرية مازالت وستظل الأجمل والأحن والأكرم فى العطاء والاهتمام، والأب المصرى مثال حقيقى للتضحية ونكران الذات.. وأبناؤنا مهما اختلفت طبائعهم إلا أنهم أبرار وأوفياء.. أغلب من حولك فى الشارع طبيعتهم الفطرية سلمية لا تميل إلى العنف كما نظن.. فى حياتك عشرات القصص لمختلسين وفاسدين، ولكن هناك مئات القصص لناس محترمين ومجتهدين.. نحتاج إلى بعض الثقة فى هذه المجتمع أو قل فى أنفسنا.. نحتاج أن نرسم ابتسامة بسيطة على وجوهنا فى الشوارع، وأن تهدأ ملامح التحفز والترصد التى تفننها فى تبادلها مع بعضنا البعض وبدون سابق معرفة !!. نحتاج أن نكف عن السب العشوائى والشتم الجماعى وتكسير الذات.. نحتاج أن نتناقل أخبار الناس الطيبة التى يعيشون حولنا بدلا من أخبار الحوادث والجرائم التى تحرق دمنا.. أن نتنافس فى الأمل والتفاؤل بدلا من تنافسنا فى اليأس والتشاؤم كلما جمعنا لقاء أو مكان.. نحتاج إلى أن نرى الصورة مشرقة ومبهجة، لأنها ليست كما نظنها بهذا السواد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة