لا يمكن التعامل مع تصريحات رجب أردوغان السلطان العثمانى المزيف، باعتبارها تصريحات مسؤولة لرجل دولة، فالديكتاتور التركى له ألف وجه ووجه، وجه الشريف بحسب ما يدعيه فى خطاباته العنترية ووجه اللص الذى سرق البترول العراقى والسورى بمساعدة جماعات داعش الغبراء، ووجه المناضل الإسلامى بحسب ما يزعم فى خطبه بالمساجد، بينما يخلع القناع عن تحالفات مع أعداء الإسلام والمسلمين والأمة العربية بأسرها، وفى مقدمتها دولة إسرائيل التى يرتبط معها بعلاقات تجارية وعسكرية متينة للغاية، وفى تصريحاته الأخيرة خلال الجلسة الافتتاحية للاجتماع الـ34 للجنة الدائمة للتعاون الاقتصادى والتجارى لمنظمة التعاون الإسلامى بمدينة إسطنبول، انبرى أردوغان فى عنتريته المسمومة التى تخفى أكثر مما تبدى قائلا: «علينا ألا نقيم حدودا وجدرانا جديدة فيما بيننا داخل هذه المنطقة التى رسمت حدودها بالدماء، ثم استطرد «الآثار السلبية للحرب العالمية الأولى ما زالت واضحة رغم مرور قرن كامل على انقضائها، وتركيا هى أكثر دولة فى المنطقة تشعر بتلك الآثار، وعلينا إيجاد حلول للمشاكل المرتبطة مباشرة بنتائج الحرب العالمية الأولى، ولا يمكننا ذلك إلا من خلال الوقوف على مصادر تلك المشاكل بدقة».
أردوغان فى تصريحاته المسمومة يخاطب الشعب الفلسطينى والمنطقة العربية، ويربط بينها وبين آثار الحرب العالمية التى شهدت سنوات ما بعدها تقسيم تركة الدولة العثمانية أو رجل أوربا المريض إلى مغانم ودويلات بين المنتصرين فى هذه الحرب، ثم تحركت الدول العربية فى إثر ذلك وقاومت المستعمرين حتى نالت استقلالها، وهو يشير بوضوح إلى وجود مخطط لإعادة رسم المنطقة عبر حرب كبيرة، بدءًا من سوريا وصولا إلى اليمن والعراق وفلسطين، فهل يقصد دعم الدول العربية المبتلاة بهذه الحرب الفوضوية المدمرة؟ بالطبع لا، لأنه من الدول التى استغلت إجهاد وتفتيت الجيوش العربية فى سوريا والعراق لغزو أطراف البلدين ونشر قوات تركية على الحدود معها لمنع تواصل الأكراد فى البلدان الثلاثة، ولإعادة صورة الدولة العثمانية المهيمنة على المنطقة العربية من جديد.
ومن هنا كان ذكر أردوغان للحرب العالمية الأولى وما ترتب عليها من توزيع أراضى الدولة العثمانية وتحجيم تركيا وإلغاء الخلافة، فهو فى سعيه المحموم للعب على كل الحبال والدخول فى مجموعات متنافرة من الأحلاف السياسية إلى تحقيق مكاسب على الأرض تعيد ولو بصورة رمزية سطوة الدولة العثمانية البائدة وتقربه من حلمه الشخصى ليكون خليفة محتملا للمسلمين، فهو يتصور أنه كما وطد سلطاته القمعية فى تركيا عبر تعديلات متوالية للدستور والقفز على نظام تركيا البرلمانى العلمانى ليحوله إلى نظام رئاسى شمولى، أنه قادر على تكرار التجربة وسط محيطه العربى الإسلامى، وهو يستخدم فى سبيل ذلك كافة الإشارات التى تقربه من اللقب البائد «خليفة المسلمين».
ويستخدم أردوغان باستمرار القضية الفلسطينية والقدس على عادة جماعة الإخوان الإرهابية لدغدغة مشاعر المسلمين، لمعرفته أن العبارات الرنانة تطربهم والنضال الحنجورى كاف بالنسبة لهم، كما يراهن على ذاكرتهم الضعيفة التى تنسى جرائمه بحق القضية الفلسطينية وكيف أنه من أقرب أصدقاء تل أبيب والحليف الاقتصادى والعسكرى الدائم لجميع رؤساء الوزراء سواء من العمل أو الليكود أو من الحكومات الائتلافية.
رجب أردوغان أشاد فى كلمته المسمومة بتضحيات الشعب الفلسطينى دفاعا عن القدس، وقال: «إن تركيا ستمنع المحتلين من إطفاء قناديل المدينة المقدسة عبر تشجيع مواطنيها على زيارتها، وأن فلسطين ستبقى ما دام هناك مسلمون يدافعون عن الحق والعدالة والحرية»، ولم يذكر أردوغان بالطبع أن إسرائيل هى المورد الأول لأسلحة تركيا، وأن أنقرة تعتبر ثانى دولة بعد الولايات المتحدة تحتضن أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلى، وأن الطائرات والدبابات التركية يتم تحديثها دوريا فى المصانع الإسرائيلية، كما لم يشر السلطان العثمانى المزيف إلى الاتفاق الكارثى بين أنقرة وتل أبيب والذى يقضى بتبادل الطيارين العسكريين بين البلدين 8 مرات فى السنة، أى أن الطيارين الإسرائيليين يصقلون مهاراتهم فى تركيا ليجيدوا قصف منازل الفلسطينيين!
وللحديث بقية