خالد ناجح

من القبلية للعلاقات الاستراتيجية بين مصر والسعودية

الإثنين، 03 ديسمبر 2018 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقول التاريخ إن مصر والسعودية هما عماد الأمة العربية، وإن تكاملهما فى الفترة الأخيرة ليس فى صالح مصر والسعودية فقط، بل لصالح الدول العربية أجمع للوقوف ضد المخاطر التى تحيط بنا من كل اتجاه.
 
الرئيس عبدالفتاح السيسى، أكد خلال لقائه مع الأمير محمد بن سلمان، حرص مصر على تعزيز التعاون المشترك، والتنسيق الحثيث مع السعودية على أعلى المستويات لمواجهة التطورات المتلاحقة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط حاليًا، تعبيرًا عن الإدراك المصرى بضرورة التحرك من خلال مسار ثنائى خاص بالارتقاء بواقع العلاقات المصرية- السعودية، وآخر جماعى يرتبط بالاشتباك مع القضايا الإقليمية التى تنعكس على المصلحة المصرية.
 
فمصر لم تنس موقف السعودية فى انتصار أكتوبر العظيم عندما أصدر الملك فيصل بن عبدالعزيز قراره التاريخى أثناء حرب أكتوبر بقطع إمدادات البترول عن الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل دعمًا لمصر فى هذه الحرب، كما قام الأمير سلطان بن عبدالعزيز بتفقد خط المعركة فى أحد الخنادق على الجبهة المصرية، وقام الملك فيصل بن عبدالعزيز بالطواف بموكبه فى عدد من المدن المصرية فى استقبال شعبى بهيج، وقد رفعت رايات ترحيبية كان من ضمنها لافتة تقول «مرحبا ببطل معركة العبور «السادات» وبطل معركة البترول»، ولم لا ومصر ترتبط بالسعودية بعلاقات يعود تاريخها لعام 1926 عندما عقدت معاهدة صداقة بين البلدين، ثم وقعت اتفاقية التعمير بالرياض فى عام 1939 التى قامت مصر بموجبها بإنجاز بعض المشروعات العمرانية فى السعودية، وكان لمصر والسعودية دور كبير فى التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية، ثم كانت زيارة الملك عبدالعزيز إلى مصر دفعة قوية للعلاقات بين البلدين.
 
ولا ننس أيضًا موقف المملكة من ثورة 30 يونيو عندما رفض العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز التدخل الدولى فى الشأن الداخلى المصرى، كما أعلن وقوف السعودية بجانب شقيقتها مصر ضد الإرهاب، وقام الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودى، بزيارة عاجلة لفرنسا ضمن جولته الأوروبية لدعم مصر.
 
على الجانب الآخر تاريخ وقوف مصر بجانب الخليج غنى عن التعريف أو الكلام، بداية من وقوفها إلى جانب السعودية والكويت فى غزو العراق للكويت، مرورا بوقوف مصر ضد أى تهديد للخليج، وانتهاء بعاصفة الحزم والوقوف بصلابة ضد الأطماع الإيرانيةو مرورا بالموقف الموحد فى مواجهة المؤامرة القطرية والإرهاب الذى تمثله، كذلك مساعدة الخليج فى مكافحة التنظيمات والجماعات الإرهابية التى تم تمويلها خارجيا لتهديد أمن الخليج والمنطقة، فوقفت مصر بكل قوتها وعزمها جنبا إلى جنب فى كل موقف أو قرار للمملكة، وكذلك بقيت مصر مع المملكة والخليج فى كل مراحله، وتقف مصر كداعم للرياض فى مواجهة الابتزازات التركية، لقد مر فى بحر العلاقات أمواج عاتية كثيرة حاول الخصوم والمعارضون استغلالها دون جدوى.
 
كل ذلك كان بدافع الحب والود والصداقة ووحدة الدين واللغة والأرض والمصير، وهى كلمات رنانة لكنها ليست على أسس سياسية أو علمية مؤسسية سليمة كانت تقوم من منطلق القبلية العربية التى كنا نعيشها فى زمنها.
 
الآن بدأت قيادات البلدين فى السير على أسس علمية ومؤسسية سليمة، فأصبحت العلاقات المصرية السعودية تستند إلى مصالح استراتيجية مشتركة، متعددة الأبعاد، تتعلق بمواجهة المواقف الدولية المتغيرة والتحديات الإقليمية، فهى علاقات متميزة تتسم بالقوة والاستمرارية، نظرا للمكانة والقدرات الكبيرة التى يتمتع بها البلدان على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية، فالبلدان هما قطبا العلاقات والتفاعلات فى النظام الإقليمى العربى، كما أن التشابه فى التوجهات بين السياستين المصرية والسعودية يؤدى إلى التقارب إزاء العديد من المشاكل والقضايا الدولية والقضايا العربية والإسلامية.
 
العلاقات السعودية المصرية هى عماد المنطقة بأكملها وترسخ الاستقرار فى المنطقة، ولابد لنا أن نشجع الخطوات التى تتخذها المملكة للتخلص من الفكر المتشدد، وهو ما ينعكس سلبًا على كل البلدان العربية بما فيها مصر، فالمملكة تقوم بتحول لافت وشجاع من الانفتاح ومن تحرير المجتمع من قيود لا معنى لها ولم ينزل الله بها من سلطان، والعودة بالسعودية إلى إسلام متسامح ومعتدل، وكانت رسالة القيادة فى المملكة واضحة تماما نحو التوجه إلى الاعتدال والوسطية التى تشكل برنامجا وتوجها ورؤية جديدة لمملكة تعيد تقديم ذاتها إلى العالم، وذلك ما يتضح من برنامج التحول والإصلاح الداخلى على نحو ما تجسده رؤية 2030.
وعلى الصعيد الاقتصادى تنامت الاستثمارات المصرية فى السعودية ليصل عدد المشروعات إلى 1300 مشروع، باستثمارات تتجاوز 2.5 مليار دولار، منها 1000 مشروع برأس مال مصرى 100% تجاوز 1,1 مليار دولار، كما تصاعد وتنامى التبادل التجارى ليتجاوز 6,2 مليار دولار، بزيادة سنوية 16,5%، كما تشكل السياحة السعودية أكثر من 20% من السياحة العربية، كما بلغ عدد المصريين الذين يعملون بالمملكة 1,8 مليون بخلاف أسرهم، وهناك أكثر من نصف مليون من السعوديين المقيمين إقامة دائمة بمصر.
 
نعلم أن المملكة تحتل المرتبة الأولى من حيث الاستثمارات العربية فى مصر، إذ بلغ عدد المشروعات السعودية فى مصر أكثر من 2900 مشروع تغطى جميع المجالات الإنتاجية والخدمية، وبلغت قيمتها أكثر من 27 مليار دولار بمساهمات سعودية تجاوزت 5,7 مليار دولار، هذا فضلاً عن ممتلكات الإخوة السعوديين من الأصول العقارية فى وطنهم الثانى مصر، والتى تقدر بعدة مليارات. 
 
وبالنسبة للاستثمار، مصر أصبحت جاذبة أكثر من أى وقت مضى بعد برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تضمن إصلاحات مالية ونقدية وتشريعية وإجرائية، تضمنت تحرير سعر الصرف وخفض عجز الموازنة، ليرتفع معدل نمو الناتج المحلى إلى أكثر من 5,7% وينخفض عجز الموازنة إلى 9,5% ويرتفع الاحتياطى من النقد الأجنبى إلى أكثر من 44,4 مليار دولار مما يعطى الثقة للمستثمر السعودى، ولابد للمهتمين بالشأن الاقتصادى أن يعلموا أنه قد آن الأوان للنهوض بالتبادل التجارى وتعظيم الاستثمارات خارج الأنشطة التقليدية من استثمار سياحى وعقارى والدخول فى التكامل الصناعى لخلق قيمة مضافة حقيقية وفرص عمل لشباب البلدين الذين يتجاوزون 70% من حجم السكان، والانطلاق نحو التعاون الثلاثى لمشاريع مشتركة فى أفريقيا من خلال رئاسة مصر لاتحاد الغرف الأفريقية ورئاسة مصر القادمة للاتحاد الأفريقى، خاصة فى مجالات المقاولات والبنية التحتية والزراعة والتصنيع المشترك، بالإضافة لتعظيم الاستفادة المشتركة من اتفاقيات التجارة الحرة الأفريقية، وهذا ما تمت مناقشته بين الغرف التجارية للبلدين.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة