تصيبنا الحوادث الإرهابية بالوجع، تؤلمنا، وتعزز مشاعر خوفنا على الوطن ومستقبله، ولكن يقينا كامنا فى قلوبنا يخبرنا بأن مصر هى الأقوى والأبقى والمنتصرة، وأن هذه الحوادث العارضة ما هى إلى دروس وفرص تكشف لنا من يقف مخلصا فى صف الوطن، ومن يقف ممثلا فى انتظار الفرصة المناسبة لطعنه.
ومع كل حادث إرهابى، صغيرا كان أو كبيرا وآخرها حادث أتوبيس المريوطية، تتكشف لنا مأساة وجود دواعش متطرفين فى شوارعنا، كما يتكشف لنا وجود خائبين خاسرين من أهل النخبة المصرية ينتظرون الكارثة لامتطاء ظهرها تحقيقا لأى مكسب يمكن الحصول عليه، عبر تنظيرات وكلمات تلبس ثوب النصيحة عن التقصير وماذا كان يجب أن يحدث، وماذا يجب أن تفعل الدولة، بينما تجربتهم فى الواقع أضعف وأفشل من أن تسمح لهم بإسداء النصح أو التنظير.
لمن يسأل كارها أو صائدا فى الماء العكر أحيانا أو بحسن نية فى بعض الأوقات، لماذا تتحدثون دوما عن خيبة الأمل فى النخبة المصرية، ولماذا تضعون أهل الفكر ورجال الدين تحت مقصلة التقصير؟
للسؤال إجابة يعززها الواقع الذى يظهر فيه أهل النخبة ورجال الدين تائهين مجذوبين لمساحات جدل تضمن لهم وجودا فى بؤرة أضواء الشهرة دون تقديم منتج فكرى حقيقى يدعم الدولة فى حربها ضد الأفكار المتطرفة والإرهاب، ومن بطن الإجابة عن هذا السؤال ستجد نفسك منتبها إلى ما هو أخطر فى أداء النخبة التى تسعى للتغطية على فشلها فى مواجهة التطرف والإرهاب بالتنظير الدائم فى الخطط الأمنية والإستراتيجة، ومن هنا تبدو الانطلاقة لإجابة وافية مناسبة جدا.
أمنيا تبدو المواجهة منتظمة ومنضبطة وتؤتى ثمارها، يقدم الأبطال من رجال الجيش والشرطة أرواحهم لحصار الإرهاب وتضييق الخناق على أهل التطرف والعنف والسلاح، النتائج فى سيناء مبشرة، والحصاد فى المحافظات يبشر بالخير، تسقط خلايا إرهابية ويداهم رجال الأمن مزارع تحولت إلى مخازن سلاح، يؤدى الأمن مهمته بهمة وحماس ونجاح ولكن هذا ليس كل شىء؟!
الحرب تحتاج إلى من يكمل معركتها الأخيرة، قوات من نوع آخر، وأسلحة برصاص مختلف، وتأخر قوات المرحلة الأخيرة من الحرب يهدر دماء وتضحيات وعرق الأبطال الذين يخوضون المرحلة الأول من الموقعة.
قوات المواجهة الأمنية يؤدون المهمة على أكمل وجه، بينما قوات المواجهة الفكرية حائرون مضطربون، وبعضهم يعانى كسلا وفقرا فكريا وخططيا ومنهجيا يمنعهم من تأدية مهامهم والحفاظ على مكتسبات قوات خطة المواجهة الأمامى.
التحركات فى المؤسسات الدينية كسولة وبطيئة ولا تقدم منتجا فكريا قادرا على التصدى للأفكار المتطرفة بشكل مناسب وحاسم وسريع، والتحركات فى ساحة النخبة التى تصرخ كل ليلة من التطرف تائهة ولا تقدم ما يمكنه صد الأفكار الملوثة التى يشكون منها.
بالنظر إلى أغلب القضايا الأخيرة التى سقطت فيها خلايا الإرهاب بالمحافظات، أو بتدبر حصاد المداهمات الأمنية فى سيناء من أحراز تتمثل فى كتب وأوراق، ستدرك مدى تأخر المواجهة الفكرية كثيرًا عن أداء مهمتها.
ضمن الأحراز والمضبوطات الخاصة بالإرهابيين دائما ما تجد عناوين مكررة لعدد من الكتب التى تحمل أفكارا متطرفة، مثل «أعدوا للمقاومة» لمؤلف اسمه أبومصعب السورى أو كتاب «العمدة فى إعداد العدة» أو كتابى «التبرئة» و«الحصاد المر» لأيمن الظواهرى.
أدى رجال الأمن مهمتهم فى عملية القبض والتحريز، فلماذا لم يتحرك رجال الفكر لاستلام مهمتهم فى إعادة فحص محتويات هذه الكتب والرد عليها وتفنيدها؟ لماذا يهربون من أرض المعركة بعضهم مكتفيًا بتشجيع الدور الأمنى، والبعض الآخر متعللًا بالظروف، بينما الجزء الأكبر تائه وحيران دون منهج فكرى موحد للمواجهة؟!
يتكرر الأمر مع خلايا الإخوان، يؤدى الأمن مهمته ويعلن لرجال الفكر قوائم مضبوطات بكتب تحتوى على أفكار يجند بها الإخوان شبابا جددا مثل «نحو جيل مسلم» أو «طريق الدعوة» الذى قام بتأليفه المرشد الراحل مصطفى مشهور، أو «أفراح الروح» تأليف سيد قطب، أو كتيبات صغيرة تحمل عناوين «القرآن فوق الدستور» و«ضوابط العمل الإسلامى» و«الجهاد بالمساهمة» و«فقه الجهاد وزاد المجاهدين» و«قوارب النجاة فى حياة الدعاة» لفتحى يكن، أو مؤلفات سيد قطب «التصوير الفنى فى القرآن الكريم»، و«فى ظلال القرأن» و«معالم فى الطريق».
يتم إعلان هذه المضبوطات فى قوائم رسمية وبمحاضر رسمية، ومع ذلك لم نسمع أن الأزهر أو الأوقاف أو دار الإفتاء أو بعضا من أهل النخبة قد تقدم متطوعا وطالبا من الأجهزة الأمنية هذه القوائم منسقا مع مؤسسات الدولة لإصدار رد واف على كل ما فيها من تطرف وأفكار دينية تم التلاعب بها وتأويلها لخدمة العنف، كتاب فى مواجهة كتاب، وفكرة فى مواجهة فكرة، وتفسير صحيح فى مواجهة تفسير محمل بالمصلحة والجهل، هذا ما يجب أن يحدث مثلما تواجه رصاصة رجال الشرطة والجيش رصاصة الإرهاب، فهل آن الأوان أن تصبح رصاصة الفكر جزءًا من المعركة بنفس قوة رصاصة الأمن؟!