والله العظيم لن ينصلح حال المجتمع إلا عندما تتم محاكمة الذين يصفون أنفسهم بالمشايخ وعلماء الدين ويصدرون الفتاوى الشاذة لإحداث جدل زائف وغبار يتلهى به الناس عن قضاياهم الحقيقية، نعم حاكموا هؤلاء المرتزقة الأفاقين الذين يستحضون الخرافات والبذاءات وكلام القدماء الأحمق، ويلقونه على وجوههنا باعتباره مقدسا، أو حتى يحتمل المناقشة كونه فكرا صادر عن عقلاء أسوياء.
أيها السادة، لابد أن نعترف أن مقولة التراث فضفاضة وتحتمل كل ما تركه القدماء من آثار فكرية ومعرفية وأدبية وعلمية، كما تحتمل كل ما تركوه من هلاوس وخرافات وتفسيرات غرائبية وباطلة وتقديرات تكشف مدى جهلهم ومحدودية معارفهم فى عصرهم، قياسا إلى الانفجار العلمى والمعرفى الذى نعيش فيه، ولأن مقولة التراث فضفاضة وتضم الغث والسمين، ولأن التراث فعل بشرى ومنتج بشرى لأناس غير معصومين، فمن حق الأجيال الحالية أن تأخذ منه ما يتفق مع منطقها ومعارفها وعلومها وتوجهاتها، وأن تلقى المنافى منه للأخلاق أو للذوق أو للعلم فى سلة المهملات
أما من يريد من المتخلفين عقليا والجامدين فكريا وعبيد الأوراق الصفراء أن يعود بنا إلى بطون كتب التخلف والبذاءة وانعدام المنطق بدعوى أنه من التراث، فليذهب وحده غير مأسوف عليه، أما من يتنطع ويقرر أن كلامه فتوى تستند إلى صحيح الدين، بينما ما يطرشه علينا ينافى العلم والمنطق والأخلاق، مثل فتاوى جواز معاشرة الزوجة المتوفاة ومعاشرة البهائم وأكل لحوم الحيوانات النافقة، فهؤلاء يجب أن يكونوا عبرة لغيرهم من الدراويش الذين أفسدوا حياتنا وعقولنا ودفعوا الملايين للكسل والتواكل والتشبث بقشور الدين، وتركوا السعى فى الأرض وعمارتها إلى الأجانب الذين يستهلكون إبداعاتهم ثم يصفونهم بالكفرة!
لماذا لا يتم تحريك الدعوى الجنائية ضد المشايخ المزعومين من أصحاب الفتاوى الشاذة والمتطرفة التى تكدر السلم العام وتنخر كالسوس فى جسد مجتمع يحاول التعافى من أمراض التطرف والإرهاب والجهل والتخلف والعشوائية؟ هل يعقل أن تشعل فتوى أطلقها مخبول بجواز مضاجعة الرجل زوجته المتوفاة، كل هذا الجدل ويخرج صاحبها ليدافع ويبرر ويظهر أشباهه من المرضى المتخلفين ليسوغوا ما قال ويدافعوا عنه بأقوال تراثية ظلامية لا تستحق إلا الحرق؟ وهل يعقل أن يروج متطرف آخر لتزويج البنات فور ولادتهن وهن بعمر يوم واحد، ردا على القوانين المدنية التى تحدد سن الزواج بثمانية عشرة عاما.
مثل هذه الفتاوى وغيرها تندرج ضمن حروب الجيل الرابع لقصف العقول وخلق بيئة حاضنة للتطرف، وعشنا ورأينا كيف عمل مثل هؤلاء المتطرفين لسنوات طويلة فى عهود سابقة وبتمويلات قطرية وغير قطرية على تدمير الثقافة المدنية المصرية واستبدال ثقافة التطرف الدينى والتعصب فى الرأى وكراهية الآخر المختلف بثقافة التسامح والتعايش والوسطية واليسر التى ازدهر فى ظلها المجتمع المصرى عقودا طويلة، حتى إذا حانت اللحظة المناسبة دعا هؤلاء المتطرفون إلى حمل السلاح ضد الدولة، وتشكيل العصابات الإجرامية من الشباب المخدوع للهجوم على رجال الشرطة والجيش والقضاة والأقباط.
التسيب والتراخى من قبل الأجهزة التنفيذية أدى إلى ترك مجموعات الإخوان والسلفيين وأتباعهم يزرعون أفكارهم المنحطة فى المجتمع ويشكلون تيارات سرية فى المحافظات تبدأ بالصلاة فى مساجد تخصهم ثم الاجتماع على ضرورة تغيير المجتمع بالكلام والتحذير أو بالقوة، يعقبها مباشرة خطوة التواصل مع الإرهابيين بالخارج، وتلقى التكليفات والتمويلات منهم للقيام بالعمليات الإرهابية، وغالبا ما ينجحون فى المرة الأولى، لأنهم لا يكونون مسجلين لدى الأجهزة الأمنية.
يا سادة يا أفاضل، نحن مجتمع مثقل بالأمراض والأخطاء المتوارثة ونريد حقا أن نبنى ونعمر وننشء المصانع ونستصلح مزيدا من الأراضى، نريد روحا قتالية لننهض ونواجه مشاكلنا بحسم، وأبعد ما يكون عن أحلامنا هى ثقافة سفاسف الأمور والتواكل والانشغال بما لا يفيد، فلماذا لا تجفف الدولة منابع الإرهاب بردع أصحاب الفتاوى الشاذة والأفكار المريضة المنافية للفطرة وللإنسانية وتخالف القانون؟
حاكموهم يا سادة بتهمة تكدير السلم العام، وعندما تضمهم السجون، سيفكر كل أحمق من هؤلاء ألف مرة قبل أن يرفع صوته، وأن يثير الغبار بمثل هذه الأقوال الشاذة المنتزعة من بطون الكتب الصفراء والدالة على عصور الانحطاط التى مررنا بها قديما والمطلوب من أعدائنا أن نغرق فيها من جديد!