قال رسول الله صلي الله عليه و سلم "، "إن أبغض الحلال عند الله الطلاق".
و بما أنه أبغض الحلال عند المولي عز و جل فلنقف مع أنفسنا وقفة متأنية لربما نصل لمسببات الظاهرة التي انتشرت بشراسة في المجتمع المصري و ربما نصل أيضاً إلي الحلول الممكنة للقضاء عليها.
فعادة ما تكون الأسباب متعددة و متنوعة و لكنها جميعاً نتاج لثقافة و أخلاقيات مجتمع، و لشديد الأسف قد تجسدت سلبيات هذا المجتمع في ذلك الكيان الصغير المسمي بالأسرة ، فالأسرة المصرية كجزء لا يتجزأ عن المجتمع قد نالها ما ناله من تدهور ثقافي و معرفي و انهيار خلقي و ذوقي و تعليمي !، وبالتالي خرجت للحياة أجيال لا تعلم شيئاً عن شئ سوي القشور و السطحيات فحسب، كما انصرفت الأجيال التي سبقتها بفعل ضغوط الحياة التي لا ترحم عن ترسيخ القيم و العادات و التقاليد الخاصة بتحمل المسؤولية و تربية الأبناء و تكوين أسرة جديدة ذات أساس متين لا تهدمها الشدائد فتعلمها لأبنائها كما علمنا أبائنا و أمهاتنا بالماضي القريب.
و لكننا الآن و في غفلة من الزمن وجدنا أنفسنا بمناخ آخر لم نعتاده و تغيرات اجتماعية حادة لم نألفها، فبعد أن كان خيار الطلاق بين الزوجين هو نهاية حتمية لابد منها بعد محاولات و محاولات مستميتة للتوفيق و الإصلاح من الطرفين بنفسيهما أولاً و من جميع المحيطين من الأهل و الأقارب و الأصدقاء بعد ذلك !، وبات قرار الطلاق هو الأقرب و الأسهل لدي جميع الأطراف، ذلك بغض النظر عن الخراب المادي الذي سيقع علي عاتق الطرفين و ذويهم و الخراب المعنوي الذي سيدمر حياة آخرين خاصة إن كانت هناك ثمرة لهذا الزواج من الأبناء الذين لا حول لهم و لا قوة ، و لم يقترفوا أية ذنب في تلك الصفقة الخاسرة.
فلم يعد هناك طرف باستطاعته تقبل الآخر بما فيه من عيوب و كأنه لم يكن يعلم أن بكل شخص عيوب إلي جانب الميزات، فقد خلي قاموس أخلاقيات الأجيال الجديدة من قيم كثيرة " كالصبر و التسامح و المودة و الرحمة و الصدق " و تم استبدالها بقيم جديدة غريبة و دخيلة علينا مثل " الأنانية و المراوغة و القسوة و التهور و التمرد".
وهنا تكمن المشكلة، لذا فإننا بصدد كارثة مجتمعية تستوجب التصدي بكل قوة كي لا ينهار المجتمع بأسره علي إثرها ، و علي كل متضرر من تلك المأساة المشاركة الفعالة في القضاء عليها بداية من :
ـ "الأبوين "
المنوط بهم حسن تربية الأبناء و غرس القيم و الأعراف و الدين و الأخلاقيات بنفوسهم منذ الصغر و أن يكونوا لهم نموذجاً صالحاً للأسرة المترابطة لا المنفّرة المفككة التي تتسبب بنمو العقد النفسية المتعددة لدي الأطفال لتكبر كلما كبروا و تتأصل و تستوحش فتجعل منهم آباء و أمهات غير أسوياء، ثم تدور الدائرة مرة أخري لتخرج أجيال تليها أجيال كنبتٍ غير صالح.
كما يجب أن يكف الأبوين عن ذنبٍ يقترفونه بحق بناتهم تحديداً و هو الإلحاح علي ضرورة الزواج بسن معين حتي لا تتجاوز البنت هذا السن فتصبح بنظر المجتمع عانس ، ذلك من وجهة نظرهم القاصرة فحسب، فالضغط المستمر علي ضرورة الزواج حتي بمن لا تقبله الإبنة و لا تربطها به أية مشاعر ولا تتفق معه فكرياً يعد هو الآخر من أهم أسباب الفشل و الإنهيار الذي لا ينتهي سوي بالطلاق.
ـ "التوعية و التأهيل النفسي"
من خلال عدة منابر هامة علي رأسها التعليم من ناحية وو وسائل الإعلام ذات التأثير شديد السرعة من ناحية أخري ، لتأصيل مفاهيم لم تعد موجودة و ترسيخ قيم لم تعرفها الأجيال الحالية و التحذير من التسرع و التخويف من تبعات الفشل و ما قد يخلِفه من ضحايا جدد.
ـ "إهتمام الدولة بحل المشكلة "
تلك التي تشكل عائقاً حيوياً في طريق تقدم المجتمع و تعرقل من إنجازاته و تثبط الهمم التي نحن أحوج ما نكون إليها لاستكمال خطة إعادة بناء الوطن ، فلسنا بحاجة إلي مجموعات من الشباب المحبطين المتأزمين الذين ضاعت مدخراتهم علي مشروع زواج فاشل !، و ها قد وضع السيد الرئيس تلك المشكلة الخطيرة في دائرة اهتماماته التي لا تحتمل المزيد، و دعا المجتمع لمناقشة أسباب الظاهرة ووضع خطط جادة لحلها و التصدي لها، وبالفعل قد تمت أولي خطوات الإستجابة لهذه الدعوة بإقامة عدد من الندوات التثقيفية و الدورات التأهيلية للمقدِمين علي الزواج بادرت بها مشكورة مجلة "حواء" و في انتظار المزيد من المبادرات الجادة و تكاتف كل من يستطيع المشاركة و التأثير كما ذكرت سابقاً.
ونهاية: فالأسرة هي نواة المجتمع الأساسية، إن صحت و صلحت و استقامت ، صح الوطن و صلح و استقام.
"اللهم طهر نفوسنا واصلح ذات بيننا واحفظ وطننا "