وكأن الغباء لعنة لا تفارقهم، يسكن فى عقول هؤلاء الذين حملوا كارنيه الانتساب إلى جماعة حسن البنا، ويسيطر على عقول هؤلاء الذين صدقوا فى غفلة من الزمن أن كلمة «ناشط» وظيفة تمكنه من إدارة وتحريك الناس، بينما الناس فى الشوارع لا تعرفه أبدا.
التجربة تصنع الوعى، والوعى يصنع الفرق، والفرق بين ما يحدث فى فرنسا الآن وما حدث فى القاهرة من قبل وما يريدونه أن يحدث فى القاهرة اليوم أو غدا أو بعد غد، هو أن أهل مصر ذاقوا طعم الاحتجاجات المدفوعة بلا خطة ولا غاية، وأدركوا مرارة المظاهرات والانتفاضات المتروكة لمن يركبها ويحول دفتها إلى حيث تخدم مصالحه هو وتحقق مكاسب لمن يدفعون له أكثر، لذا تبدو محاولات فضائيات الإخوان أو نشطاء تويتر لمعايرة الشعب المصرى بما يحدث فى فرنسا دفعا لإغوائه بأن يكرر التجربة، شديدة البؤس ودليلا جديدا على فشل الإخوان ومن معهم فى فهم كتالوج المصريين.
لا شىء يمكنه مصادرة حق المواطن، أى مواطن فى أى دولة من التعبير عن رأيه ورفضه لبعض القرارات الحكومية، ذلك حقه المكفول بالدستور والقانون، وطبيعة تسيير الأمور فى الحياة، ما يحدث فى باريس الآن أمر مختلف عما شهدته القاهرة فى فترات سابقة، لا يمكن تصديره أو إعادة إنتاجه مجددا فى شوارع مصر، الزمن مختلف والتجربة مختلفة والأهم العقول فى القاهرة أصبحت أكثر وعيا من السقوط فى أفخاخ الإغواء والتحريض والمعايرة الإخوانية.
المدهش أن النشطاء والإخوان الذين يسعون لاستغلال أحداث باريس «لتسخين» المواطنين فى القاهرة، فشلوا قبل شهور من الآن فى استغلال نفس الأحداث فى الأردن لتحريك الغضب فى شوارع القاهرة، هم حضائن للغباء لا يتعلمون أبدا.
فى تجربة الأردن كان الغضب حاضرا هناك بسبب بعض القرارات الحكومية الخاصة بزيادة مقترحة فى ضريبة الدخل مع تشديد قانون معاقبة المتهربين من الضريبة، بالإضافة إلى غضبة سابقة بسبب قرار رفع أسعار المحروقات، و19٪ زيادة فى أسعار الكهرباء، القرارات دفعت بعض المواطنين للاحتجاج اعتراضًا، ولكنها فتحت الباب أيضًا لما هو أخطر وأكبر لمن يجيدون ركوب موجة الغضب والاحتجاج الشعبى وتحويل دفته من حوار بين الحكومة ومواطنيها يسعى من خلاله كل طرف إلى مضاعفة مكاسبه وتخفيض نسبة خسائره إلى معركة لكسر ظهر الحكومة والوطن أجمع، ودخل على الخط تيارات الإسلام السياسى فى محاولة لتكرار نفس المشهد حينما سرقوا الثورة المصرية فى «25 يناير»، وحولوا مظاهرات من الرغبة فى الإصلاح إلى طريق التخريب، ومن بعدها سرقوا الثورة السورية وحولوا مظاهرات السوريين من رغبة فى الديمقراطية إلى خراب محقق واقتتال أهلى، وتلك هى مشكلة أهلنا فى الأردن أنهم لم يخوضوا التجربة ولم يتعلموا من تجارب مصر وتونس وسوريا، ولم يفهموا الفرق بين المواطن المخلص صاحب الاعتراض وبين المواطن المعاد تخليطه وتخليقه جينيا لاستغلال أى فرصة غضب لإشعال نار الفتنة فى وطنه.
غباء الإخوان المستمر أوحى لهم أن بمقدور إعلامهم وذيولهم فى مواقع التواصل الاجتماعى استغلال ما يحدث فى فرنسا الآن لتنشيط فكرة التظاهر ضد الأسعار فى مصر، يسقط الإخوان مجددًا فى فخ عدم قراءة الواقع، لم يدرك إعلام الجماعة بعد أن محاولات تهييج الرأى العام المصرى بطريقة الشعارات أو الأكاذيب أو الشائعات أو تشويه السلطة أو الجيش لم تعد صالحة للاستهلاك المحلى المصرى، لأن الشعب المصرى خاض التجربة على مدى 7 سنوات كاملة، واختبر فى هذه التجربة كل صنوف التلاعب بمشاعر الناس من أجل حشدهم فى مظاهرات، ثم استغلال تلك المظاهرات فى تحقيق أهداف ومصالح آخرين يسعون للتخريب والسيطرة، وربما كلمات الرئيس المكررة للتأكيد على تقديره للشعب المصرى الذى تحمل تفاصيل الرحلة الأخيرة من أجل بناء الوطن عبر قرارات اقتصادية جريئة وحرب صعبة مع الإرهاب تكون خير رد على محاولات الإخوان الفاشلة، وخير دليل يفضح غباء الجماعة وإعلامها الذى لم يدرك أن تجربة السنوات الماضية حصنت المصريين من محاولات «تسخينهم» واستغلال تحركهم أو غضبهم لخدمة مصالح آخرين لا يحبون هذا الوطن.