عاش المصريون آلاف السنين، قاوموا خلالها الفقر بالاستغناء وأخرجوا الاحتلال من ديارهم بالمقاومة وانتصروا على الهواجس بالدين والعلم وتعلموا الابتسام فى الملمات وأكملوا يومهم بالتمنى وتحدوا ليلهم بالحكايات، وذلك لأن بينهم تعيش مروة حسن.
ومروة حسن طفلة أسوانية استطاع الزميل المميز والإنسان الجميل، عبدالله صلاح، أن يصطاد قصتها، ويقدمها تحت عنوان «قصة بائعة المناديل الفائزة بالمركز الأول فى سباق مجدى يعقوب»، حيث خرجت الطفلة صباحًا لبيع المناديل التى تساعد بعائدها البسيط أسرتها الفقيرة، فوجدت أمامها الماراثون الدولى الخيرى لمؤسسة مجدى يعقوب فطلبت المشاركة قائلة: «أنا بعرف أجرى كويس»، وكانت النتيجة أن فازت وحصلت على المركز الأول.
قرأت القصة أكثر من مرة لكنى لم أستطع أن أتجاوز الجملة العظيمة «أنا بعرف أجرى كويس»، وهى جملة مفتاحية ليس لـ مروة حسن، التى لم تتجاوز الحادية عشرة من عمرها فقط، لكنها مفتاح لكثير من المصريين الذين يعرفون كيف يجرون فى الحياة ودروبها، كل صباح ينطلقون فى جريهم سعيا وراء الرزق، أو خوفا من الفقر والعوز والحاجة.
يقول المصريون تعبيرا عن الساعين خلف رزقهم «يجروا على رزقهم»، ربما لصعوبة الحصول على هذا الرزق وربما محاولة لتحقيق جانب من السعة التى تحتاج جهدًا أكبر من الطبيعى، والجرى ليس مرحا أو لعبا دائمًا، إنه أكثر من ذلك، إنه محاربة الحياة وتحدى ظروفها، إنه وضع قدم على الأرض والأخرى فى الفراغ، إنه استنشاق نفس عميق من صهد الدنيا المؤذى ثم إخراجه ممتلئا برواسب الهم والكمد، الجرى كلمة فى معناها شىء من «البرية» فيها الانطلاق إلى ما نريد وفيها شىء من خفة الغزلان، وعندما تقولها طفلة فى ظروف مروة حسن، فهى تعرف معناها أو على الأقل تحس بها.
دائما ما تفرحنى حكايات مروة حسن وأخواتها، لأنها تجدد الثقة دائما فى الإنسان المصرى ووجوده، تؤكد أنه بفطرته كلما وجد منفذا لصناعة السعادة صنعها، وكلما وجد طريقا لتحقيق هدفه سلكه، وكلما وجد رغبة فى الضحك «ضحك».
مروة حسن طفلة سمراء جميلة، لا تعرف حدودا لما تريد، رأت شيئا تعرف أنها تصلح فيه فطلبت مباشرة أن تشارك فيه، وكان من حسن حظها أن القائمين على الماراثون مدركون لهدفهم الرئيسى ودورهم الأساسى، لذا تفهموها، فإعجابنا بمؤسسة الدكتور مجدى يعقوب لا يقل عن إعجابنا بمروة حسن.