رغم بعد مصر الجغرافى عن كوريا الجنوبية واليابان، لكن تظل القاهرة حاضرة دوماً فى ذاكرة شعوب البلدين، وتحديداً الكوريين فقد كان لمصر دور فى تحديد مستقبل كوريا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انطلق منها إعلان القاهرة الذى منح الاستقلال لكوريا فى 27 نوفمبر 1943، وأُذيع على مسامع العالم عبر الراديو فى 1 ديسمبر 1943.
فى الفترة ما بين 22 إلى 26 نوفمبر 1943، وبينما كانت المعارك العنيفة تدور فى كل أنحاء العالم، اجتمع قادة ثلاثة من دول الحلفاء وهم الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرشل، والقائد العام تشان كاى شيك من جمهورية الصين فى فندق مينا هاوس المطل على الأهرامات، لمناقشة جهود قوات الحلفاء فى حربها ضد دول المحور، وصدر عن هذه القمة إعلان القاهرة الذى انتقلت شروطه إلى آلية دولية أخرى لتحديد فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وهو إعلان بوتسدام فى 26 يوليو 1945 بين قوات الحلفاء والاتحاد السوفيتى السابق حول ترسيم الحدود.
وبالنسبة للكوريين يمثل إعلان القاهرة أهمية خاصة، لأنه أول وأحد أهم الإعلانات العامة التى تبنها المجتمع الدولى فى ذلك الوقت والذى لفت الانتباه إلى أن كوريا يجب أن تصبح حرة ومستقلة، حيث يشير البيان إلى عزم القوى الثلاثة على إنهاء الاحتلال اليابانى لكوريا وأن تصبح حرة ومستقلة، وبالفعل استسلمت اليابان بدون شروط فى 15 أغسطس 1945، وأصبحت كوريا حرة من جديد، وفق ما جاء فى إعلان القاهرة.
فى مدينة سول، عاصمة كوريا الجنوبية، التقيت على مدى خمسة أيام، ضمن وفد صحفى مصرى، مدعو من المركز الدولى للصحفيين بواشنطن ICFJ، عددا كبيرا من المسؤولين والأكاديميين الكوريين الجنوبيين، ودار معظم الحديث عن مصر، حيث تمتد العلاقات المصرية الكورية إلى عام 1948 حين اعترفت مصر رسميا باستقلال جمهورية كوريا الجنوبية، وبعدها شهدت العلاقات الكثير من المحطات المهمة، ففى 1961، اتفقت البلدان على إقامة علاقات قنصلية بينهما، حيث افتتحت جمهورية كوريا قنصليتها العامة فى القاهرة فى عام 1962، وافتتحت مصر كذلك قنصليتها العامة فى العاصمة الكورية سول فى عام 1991، ثم اتفق البلدان فى عام 1995 على جدارة ترقية العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى سفارة، وفى 3 مارس 2016 قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيارة لكوريا، استقبلته خلالها بارك جوين، هاى رئيسة جمهورية كوريا الجنوبية، حيث بحثا الجانبان تعزيز التعاون بين البلدين فى مختلف المجالات وتشجيع الاستثمارات الكوريّة فى مصر، خاصة فى المشروعات القومية الجديدة، وعلى رأسها مشروع محور تنمية قناة السويس، والقضايا الإقليمية فى منطقتى الشرق الأوسط وشرق اسيا والتعاون المشترك فى جهود مكافحة الإرهاب.
من خلال الرصد التاريخى يمكن القول إن كوريا الجنوبية من الدول الكبرى والمهمة ولها حجم استثمارات فى مصر حوالى 224 مليون دولار، وهو رقم ضئيل إذا ما نظرنا إلى حجم الاستثمارات الكورية فى الخارج، الذى تجاوز الـ36 مليار دولار، ويبدو أن هناك سوء فهم أو عدم إدراك من جانب الكوريين لما يحدث فى مصر من تطورات جعل من الأجواء أكثر جذبا للاستثمارات، لكن يبدو أن هناك شيئا غامضا، وربما يكون ما قاله لنا مدير مكتب العلاقات العامة فى وكالة تشجيع التجارة لكوريا الجنوبية «كوترا» «جونج يونج»، هو السبب، فالرجل قال إن رقم الاستثمارات الكورية فى مصر قليل وأنهم يعملون على زيادته خلال الفترة المقبلة، لكنه أشار إلى ما سماه بصعوبة التحويلات النقدية الأجنبية من مصر للخارج.
ويبدو أن هذه الفكرة لا تزال سائدة عند الكوريين ولَم يجدوا من يحاول تصحيحها وبالتالى تغييرها، خاصة من جانب السفارة المصرية فى سيول التى يبدو أنها لا تدرك مهامها ولا دورها، خاصة أنه أثناء لقاء إذاعى مع إذاعة kbs الكورية الجنوبية، حيث كنت ضيفا فيه مع الزميلة سوزى الجنيدى نائب رئيس تحرير الأهرام العربى، فوجئنا بالمحاورة الكورية تتحدث عن خشيتها على مصر بسبب ما يحدث فى سيناء، فكل ما وصلهم ويصلهم من معلومات أن سيناء كلها مسرح للعمليات الإرهابية، وليس فقط منطقة فى شمال سيناء لا تتجاوز مساحتها العشرين ألف كيلو متر مربع.
بالطبع حينما يكون الإعلام الكورى الجنوبى مشبعا بهذه الفكرة الخاطئة فإن رسالتهم لشعبهم تكون سلبية، وهو ما أثر على تدفق السياحة الكورية الجنوبية لمصر، ورغم أننا حاولنا تصحيح هذه الصورة من خلال البرنامج الإذاعى، لكن الأمر يحتاج إلى جهد أكبر، وأن تصحو سفارتنا من غفلتها.