فى كل دورة من دورات معرض القاهرة الدولى للكتاب، نشهد جدلا مكررا حول الملاحظات والمآخذ التى شابت تنظيم الندوات واختيار المحاور والأفكار الأساسية، وكذا الضيوف المشاركين فى الأنشطة المختلفة والمهرجانات والفعاليات الفنية التى باتت سمة مميزة لمعرض القاهرة، وسرعان ما نزعت معارض عربية إلى الاقتداء ببعض منها بإقامة الأنشطة الفنية والأدبية وحتى المسابقات على هامش معارضها الدولية للكتاب.
باختصار، وحتى نجد أرضية محددة للحوار والجدل الخلاق حول ما يشوب معرض القاهرة للكتاب من ملاحظات تنظيمية، علينا أن نسأل أنفسنا ونسأل المنظمين للمعرض ومسؤولى وزارة الثقافة، هل معرض القاهرة هو معرض للكتاب فقط كما كان فى السنوات الأولى لانطلاقه؟ وهل يمكن العودة عن السنة التى استنها الناقد الراحل سمير سرحان بتحويل معرض الكتاب إلى مهرجان ثقافى وسوق ثقافى ومولد ثقافى فنى فولكلورى شعبوى يزخر بالبهجة ويحضره أغلبية من العامة والطلاب غير المهتمين بالكتاب الأدبى تحديدا ولا بأحدث الإصدارات؟
الحقيقة التى نتجاهلها أو نتعامى عنها أو نصر على رؤية جانب محدود منها فقط أن معرض القاهرة للكتاب لم يعد منذ سنوات طويلة معرضا خالصا للكتاب، بل تحول تحت عيوننا وبمباركتنا إلى مولد ثقافى فنى فولكلورى شعبوى يحضره أغلبية من الناس الراغبة فى الترويح عن أنفسها وقد يتراءى لها اقتناء كتب وألعاب وأدوات مدرسية وأشياء أخرى خلال رحلتها إلى المولد الثقافى بأرض المعارض، ولو حسبنا عدد الزوار الذين دخلوا أرض المعارض وعدد الكتب المباعة أو عدد الراواد المشاركين بالفعاليات الأدبية فقط، لاكتشفنا بوضوح أن ما يقام بأرض المعارض كل عام لم يعد معرضا للكتاب، بل مولدا ثقافيا وفنيا وفلكلوريا لعموم الجماهير وليس لخاصة الكتاب والمثقفين، ومن وجهة نظرى أرى أن هذا التحول إيجابياته أكثر من سلبياته.
طيب، ما المشكلة؟ إننا أولا لا نريد أن نعترف سواء فى وزارة الثقافة ومنظمى المعرض وهيئة الكتاب، بهذا التحول الجذرى للمعرض، لأن الاعتراف بما وصل إليه الحدث الثقافى الأول عندنا يمكننا من السيطرة عليه وتنظيمه التنظيم الأمثل والاستفادة من تحوله إلى مولد جماهيرى.
ثانيا، يمكننا الاستفادة من الحضور الجماهيرى المكثف فى المولد الثقافى الفنى الذى نقيمه سنويا، بالتركيز على الجانب المتعلق بالنشاط الأدبى والثقافى، فعلى سبيل المثال ميكروفونات المسرح المكشوف وهو فعالية جميلة ومطلوبة، تفسد وتغطى على كل الندوات الثقافية فى مخيمات المعرض، كما أن ترتيب الندوات واقتراح الأسماء واجتراح الأفكار الأساسية يشوبه كثير من الخلل والارتباك، وهى أمور يمكن أن تعالج بسهولة بمزيد من التركيز والتفكير فيما نريد أن نقدمه للجمهور من نشاط وفعاليات ثقافية داخل المولد الزاخر بكثير من المغريات غير الثقافية.
ثالثا، سلسلة الندوات الرئيسية التى كانت فى الماضى نموذجا للتفاعل العربى مع رواد المعرض من المصريين ينبغى أن يعاد فيها نظر لتكون على مستوى الأحداث العامة فى مصر والمنطقة العربية، فلماذا لم نشهد مثلا سلسلة ندوات يومية متتابعة عن حروب الجيل الرابع وعن مناهج الغزو بدون جيوش، ودور الـ«سوشيال ميديا» فى تشكيل العقل المصرى والعربى، مثل هذه الندوات كان يمكن أن يلتقى فيها مفكرون من العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان وتونس والسعودية والإمارات وغيرها من الدول العربية المستهدفة، وكذا سياسيون ووزراء وعسكريون من مصر والدول العربية ولأصبحت ندوات المعرض حديث العالم أجمع.
رابعا، أدعو لإسناد مولد المعرض كل عام لشركة نظافة محترفة، تستطيع أن تحافظ على الصورة العامة للحدث الثقافى والفنى والجماهيرى الأبرز فى حدها الأدنى، هذا والله أعلم.