من لا يملك قوته، لا يمتلك قراره، ومن أكل من فاسه، سيكون بالتبعية قراره من رأسه.. مقولات إنشائية معلبة، نحفظها لأطفالنا لكى يزينوا بها موضوعات التعبير ويحصلوا بعدها على درجات عالية.. أما الواقع فهو سيئ بل للأمانة يزداد سوءا، حيث يزداد تعداد السكان، ومعه تزداد الفجوة الغذائية، ويتناقص نصيب الفرد من 125 كيلوجراما من الخضر والفاكهة فى 2012، وهو أصلا متدنٍ، إلى 90 كيلوجراما حسب إحصاءات 2016، وانخفض صافى الإنتاج المحلى وفقد 2.5 مليون طن خلال نفس الفترة.. فكم تكون النسبة الآن فى 2018، مع تآكل الرقعة المنزرعة، ومع الزيادة المطردة فى تعداد السكان.
قبل 7 أشهر تفاجأ العالم والرأى العام فى مصر بافتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى لقاعدة محمد نجيب العسكرية على ساحل مصر الشمالى الغربى، لتعلن تدشين أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط، ونهاية الأسبوع المنقضى، ذهبنا إلى نفس القاعدة لحضور افتتاح الرئيس السيسى للمرحلة الأولى من مشروع إنشاء 100 ألف فدان من الصوب الزراعية المحمية الذى تقوم على تنفيذه الشركة الوطنية للزراعات المحمية التى تم إنشاؤها خصيصا لتنفيذ هذا المشروع القومى فى ديسمبر 2016 وتتبع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، لتكون مقولة «يد تبنى.. ويد تحمل السلاح»، ليست مجرد شعار أجوف يقال، ولكنه واقع نلمسه فى كل شبر على أرض مصر المحروسة.
جال بخاطرى وأنا جالس أتابع مراسم الافتتاح تجارب الرؤساء السابقين، عبدالناصر والسادات ومبارك مع الفجوة الغذائية، وفى غزو الصحراء، ومحاولات الخروج من الوادى الضيق الذى حبسنا فيه أنفسنا من أيام الفراعنة إلى اليوم، مشروعات كثيرة من مديرية التحرير إلى الوادى الجديد إلى الثورة الخضراء، وانتهاء بتوشكى.. مشروعات لم تحدث تغييرا جوهريا فى الخريطة الزراعية المصرية التى ورثناها عن أجدادنا، وبعضها لم يكتب لها الاستمرار، وبعضها الآخر مات موتا إكلينيكيا.
ماذا تفرق مشروعات السيسى عن تلك المشروعات السابقة؟
ما سمعته أثناء العرض المبهر لرجال القوات المسلحة أجاب عن التساؤلات التى طافت بخاطرى، ولكن أهم ما يميز السيسى أنه لا يقول أننا سوف نقوم بعمل مشروع «كذا وكذا» ولا يفتتح وهما، بل يفتتح مشروعات قائمة على الأرض، تعمل وتنتج، ويتركك فى حيرة: متى تم كل هذا، وبكم، ومن أنجز كل هذا الإعجاز فى هذا الوقت المعجز؟ لتجد الإجابة فى المصرى المعجز القادر على الإنجاز، إذا وجد قائدا يثق فيه، وهو ما حدث مع السيسى.
لم أكن أعلم أن الزراعات المحمية أصبحت علما معقدا ومتطورا إلى هذا الحد، لم يعد الفلاح التقليدى المصرى الذى يبذر بذرته فى الأرض بعد تمهيدها وحرثها، ثم يغمرها بالمياه قادرا على تلبية احتياجاته واحتياجات مصر.. السكان يزدادون، والرقعة تتآكل، والحل فى توسع أفقى باستصلاح المزيد من الأراضى الصحراوية على المياه الجوفية، وفى توسع رأسى يتمثل فى زيادة إنتاجية الفدان بالأبحاث العلمية الجديدة، وبالصوبات التى تستخدم أحدث تكنولوجيا العصر.
ولكى نعرف أهمية هذه الخطوة أدعوك لمقارنة حول عوائد فدان مزروع طماطم، لو زرع بطريقة الزراعات المكشوفة التقليدية، سوف يعطى 25 طنا بعد خلال 90 يوما بعد استهلاك 3600 متر مكعب، سوف يرتفع هذا الرقم إلى 60 طنا فى الصوبة العادية مع انخفاض المياه المستخدمة إلى النصف، وسوف يعطى نفس الفدان فى الصوب الحديثة 150 طنا بعد 75 يوما فقط وتنخفض كمية المياه إلى 200 متر مكعب فقط.. هذا يعنى ببساطة أن الصوبات الحديثة، بالتكنولوجيا الإسبانية، تعطى 6-7 أمثال الزراعة التقليدية وترشد %90 من المياه، وكلنا نعلم خطورة قضية المياه.
هل إنتاج هذه الصوب يستهدف السوق المحلية، أم أنه للتصدير؟
الرئيس حسم التساؤل من قبل أن يطرح: وقال إنه يجب أن يتجه إلى السوق المحلية لزيادة المعروض، وإحداث توازن فى السعر، والأهم أنه سيكون بمثابة مشروعات رائدة لإنتاج خضر وفاكهة بدون متبقيات المبيدات التى أساءت لسمعة الخضر والفاكهة المصرية، كما أنها ستروى بمياه معالجة.
هل هذا المشروع «ميرى» يعنى لا مكان للقطاع الخاص فيه؟
الرئيس أيضا بادر، وقبل أن يضع أهل الشر السم فى العسل، وأوضح أن المشروع ضخم، ويحتاج إلى تجهيزات ضخمة وبنية أساسية كبيرة، قد يتردد القطاع الخاص فى الإقدام عليها، ومع ذلك فالباب مفتوحا أمام القطاع الخاص لكى يستأجر الصوب، ويقوم بتشغيلها، ويجنى الأرباح.
من مزايا المشروع أنه باب ذهبى لمحاربة البطالة، لأنه يعتمد على عمالة القطاع المدنى فى تشغيله فى الساحل الشمالى وفى العاشر من رمضان وفى أبو سلطان وفى قرية الأمل.. ولم يفوِّت السيسى الفرصة ليؤكد أنه ابن بار لهذا البلد عندما أصدر تعليماته للحكومة بالشروع فى إنشاء نظام للتأمين والمعاشات لملايين العمالة الحرة اليومية التى أصبح يقوم على أكتافها تنفيذ المشروعات القومية فى الإسكان والطرق وفى الزراعة، وغيرها.
السيسى لا يبيع لنا الوهم، ولا يفتتح إلا ما يستحق الافتتاح، استوقفنى أثناء افتتاح مشروعات بالفيديو كونفرانس أن بعض المواقع ما زالت عبارة عن لوادر، وشدات معدنية للصوب، وأن العمل فى طريقه للانطلاق، لو كنا مع رئيس غير السيسى، لكانت الأرض قد ظهرت خضراء يانعة وذلك بنزع أشجارا معمرة من أماكنها لتوضع فى الصورة أمام الرئيس.
قريبا نأكل من إنتاج الصوب، وقريباً نجد على موائدنا أسماك غليون «ومزارع قناة السويس»، وقريباً ينخفض سعر كيلو اللحوم مع بدء إنتاج المشروع القومى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة