اليابان بالنسبة لمصر مرتبطة هذه الأيام فى تفكيرنا بمجموعة من المشروعات المشتركة منها المدارس اليابانية والمتحف الكبير ومترو الأنفاق، لكن ما بين البلدين أكبر وأقوى من ذلك بكثير، مرتبط بتاريخ طويل وممتد، بدأ حينما قررت اليابان استكشاف المنطقة العربية فى 1862، وأرسلت بعثة الساموراى إلى مصر للتعرف على تجربتها التحديثية، وحينها تعلم اليابانيون من مصر تجربتها فى تعريب الطب الغربى، وتنظيم السكك الحديدية، والنظام القانونى المتمثل فى المحاكم المختلطة.
التاريخ والحاضر يشهدان أن ما بين البلدين هو مصالح مشتركة ورؤى شبه متطابقة، فمصر هى الدولة الوحيدة فى أفريقيا والشرق الأوسط التى تقوم بحوار استراتيجى مع اليابان، إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند، كما يجمع البلدين وجهات نظر متطابقة فى العديد من القضايا الدولية مثل نزع السلاح وحفظ السلام وحماية البيئة والحوار بين الحضارات والثقافات والأديان، والسبب فى ذلك أن الدولتين تشتركان فى رؤية واحدة تهدف إلى جعل العالم أكثر أمنا وعدالة.
فى 7 إبريل 1922 اعترفت اليابان باستقلال مصر، وبعدها بأربعة أعوام فتحت اليابان قنصلية عامة فى الإسكندرية، وفى 1939 فتحت اليابان مفوضية فى مصر قبل أن ترفعها لسفارة فى 1954، وفى 1953 فتحت مصر سفارة فى طوكيو، ومن حينها والتعاون مستمر، إلى أن وصلنا إلى مرحلة يمكن وصفها بالازدهار، وهى المرحلة التى نعيشها حالياً، ففى يناير 2015، قام شينزو آبى رئيس وزراء اليابان بزيارة لمصر وبرفقته وفد من المسؤولين اليابانيين، وفى فبراير 2016 قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيارة طوكيو، وشهدت الزيارة التوقيع على عدد من الاتفاقيات.
وتعد اليابان واحدة من أهم الأسواق السياحية بالنسبة للمقاصد المصرية، وهناك تركيز عليها حاليا لجذب أكبر عدد من السائحين لزيارة المقاصد الثقافية المصرية، ومؤخراً وتحديدا فى نهاية أكتوبر الماضى استأنفت شركة مصر للطيران أولى رحلاتها بين مطارى القاهرة وطوكيو بواقع رحلة أسبوعياً بعد توقف أربع سنوات، ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مشاورات بين الجابين لزيادة هذه الرحلات، لكن ذلك مرتبط بأن تلغى اليابان تحذيراتها لمواطنيها بزيارة بعض المقاصد السياحية المصرية، خوفا من الإرهاب، وهنا يتشابه الموقف اليابانى مع كوريا الجنوبية، فى أن البلدان بحاجة لمن يطمئنهم على مسار الأوضاع الأمنية فى مصر، لكن المميز فى اليابان أن السفارة المصرية تتحرك بجهد كبير، يقوده السفير أيمن كامل ويعاونه مجموعة ممتازة من الدبلوماسيين الذين استطاعوا خلال فترة قليلة لا تتجاوز الشهور الثلاثة أن يحدثوا اختراقاً حقيقياً فى العديد من الملفات التى شهدت توقفاً خلال الفترة الماضية، وسيأتى ذكرها فى حينها.
وبالعودة إلى مسألة السياحة اليابانية، فقد سمعت من السفير أيمن كامل قوله: إن التدفقات اليابانية لمصر شهدت انخفاضا ملحوظا بسبب الأوضاع السياسية فى مصر خاصة بعد 2011 وافتقدنا التدفق السياحى بسبب توقف خط مصر للطيران المباشر، والآن أعدنا استئناف تلك الرحلات بموجب رحلة أسبوعية فى الوقت الحالى، مؤكداً فى الوقت ذاته أن السفارة بدأت فى «استهداف الشركات السياحية فى اليابان وآخرها مع المنظمة المسؤولة عن السياحة فى اليابان، كما التقت السفارة وعقدت اجتماعات على مستويات مختلفة، ونظمنا لقاءات فى طوكيو لزيادة تصدير السياح لمصر والتقيت بشكل مباشر مع الشخصيات التى تعمل كمستشارين فى الحكومة اليابانية لإقامة مؤتمرات بين كبريات الشركات السياحية، من أجل زيادة عدد السائحين، كما أنه جارٍ الاتفاق على إقامة معرض لآثار توت عنخ آمون فى اليابان ضمن حولتها الخارجية قبل أن تستقر بشكل نهائى فى المتحف الكبير، ومن المتوقع أن يتم تنظيم هذا المعرض فى اليابان خلال عام 2019».
وأشار السفير أيمن كامل إلى نقطة مهمة، وهى أن وسائل الإعلام اليابانية كان لديها انطباعا سلبيًا عن الأحداث فى مصر، وكانوا يصفون العنف بأنه تطرف دينى، لكن السفارة تصدت ولا تزال تتصدى لهذه الأفكار والمعلومات المغلوطة، فعقدت لقاءات مع المسؤولين اليابانيين لتوضيح الصورة بالكامل، تم خلالها التأكيد على أن ما يرد فى وسائل الإعلام الأجنبية يفتقد للصدق، خاصة أن الإعلام اليابانى غالبا ما يستقى أخباره عن مصر من خلال وكالات الأنباء الغربية، كما تم التأكيد لهم أن الجماعات الإرهابية الموجودة فى مصر تدار من جانب أشخاص يتلقون أموال من الخارج، ورغم ما يقومون به من إرهاب إلا أنهم فشلوا فى مخططاتهم نتيجة لوعى المجتمع المصرى وتماسكه ولحمته الوطنية، وتم شرح كل الملابسات لما حدث.
وعلى عكس هذ الصورة المغلوطة فإن اليابانيين لديهم ولع بمصر وبآثارها، لذلك فإنهم فى سبيلهم لتخفيف التحذير الذى سبق وأصدروه، وهو ما أكده السفير هيروشى أوكا، مدير إدارة أفريقيا والشرق الأوسط، بالخارجية اليابانية الذى قال إنه لا يوجد منع لليابانيين من زيارة مصر، فقط هناك تحذير للمواطنيين، وطلب أخذ الحيطة والحذر أثناء السفر إلى مصر، مشيرا إلى أن هناك يابانيين يزورون أسوان والأقصر وأبوسمبل والقاهرة والإسكندرية.