دينا عبد العليم

لا تتخلص من الألم فقط تعود عليه

الأحد، 18 فبراير 2018 06:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يأتينا الوجع فيفاجئ كل منا بردة فعله، هذا الذى يظن نفسه قويا ينهار من شدة الألم، وهذا الذى يعتقد أنه أضعف من الاحتمال يبدو كالصخرة الصلبة، كل منا يعبر عن وجعه بطريقة غير متوقعة حتى لذاته، حتى مع تحصين نفسه بتخيل كل سيناريوهات لحظات الوجع والاستعداد النفسى لها، فعندما يحل الوجع تضيع كل السيناريوهات وتنهار كل الاستعدادات وتبقى وحيدا مع وجعك.
 
يأتينا الوجع فمنا من يصرخ بأعلى الصوت ومنا من يمطر دمعا فى صمت، منا من يهرب بالاستسلام والاستلقاء وإغماض العين وسد الإذن ومنا من يقف صامدا وكأنه قويا متماسكا وفى الحقيقة داخله ممزق، يتظاهر بالقوة حتى يقوى من حوله أو على أقل تقدير لا يكون سببا فى مزيد من الوجع.
 
يأتينا الوجع أشكالا وأنواعا ودرجات، فهذا يغدر، وهذا يخون وهذا يتخلى وهذا يظلم وهذا ينكر حقك وهذا يتكالب عليك وهذا يقف متفرجا، وغيرهم وغيرهم، وأنت تتحمل مرة وتضعف مرة وتسامح أخرى وترد الضربات بقوة وتنتقم وكله وجع يتحول مع الوقت لممارسة يومية عادية، تعتاد عليها ولا تتوقف عندها كثيرا، لا تزعجك تفاصيله ولا تأخذ من وقتك المزيد، ولا يغير من روحك وقلبك مادمت قويا، لكن هناك نوع من الوجع مختلف تماما وهو وجع فراق الأحبة.
 
يأتينا هذا الوجع فلا تنفع معه قوة ولا يشفع لنا عنده شجاعة، ولا يكون لتجاربنا القاسية فى الوجع ذكر أمامه، نعجز أمامه مهما كانت قوانا، هو الوجع القاهر، الوجع الذى لن يتحول لأمر عادى، هو الوجع الذى يبدل ملامح وجهك ويضيف عليها عشرات السنوات، يتيبس معه قلبك ويسرى الذبول فى روحك وتدرك تماما ان الحياة لن تعود لسابق عهدها أبدا، وأن ملامحك من الداخل والخارج قد تغيرت للأبد.
 
يأتينا هذا الوجع فنفقد جزءا من الروح بفقد الحبيب، سواء كان أبا أو أخا أو زوجا أو ابنا أو أما، فهذا وجع لن تطيبه الأيام وحتى لن تخف منه، سيبقى بنفس الدرجة وبنفس القوة، ستتألم منه يوميا وستشعر بقوته وضعف نفسك أمامه لنهاية عمرك، فيصير كالرفيق وتدرك وقتها أن الوجع هو أفضل معلم على الإطلاق، فوجع الفقد يعلمنا التمسك بما نملك، ووجع الخيانة يعلمنا الحرص من البشر، ووجع الفراق يعلمنا الصبر والتأسى ووجع إدراك الضعف يعلمنا التستر على الأوجاع وعلى ضعف الغير .
 
هو كما وصفه لى حبيبى وأبى ومعلمى، وجع كالمرض المزمن لا علاج له، لن يشفى ابدا وسيرافقنا ما تبقى لنا من العمر، لذا علينا فقط ان نتعايش معه، لا نستسلم له حتى لا نغرق فى أعماقه وبالطبع لن نقاومه لانه الأقوى ولن نهزمه مهما مرت الأيام، لذا فالحل الوحيد هو التعايش معه والإدراك بانه لن يزول، نفعل كل ما بوسعنا لتخفيفه على الروح وهوانه على القلب، لذا عندما يأتيك هذا الوجع الذى سيبقى معك للأبد لا تتخلص منه، فقط تعود على العيش معه.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة