القضية الأهم فى العراق اليوم هى جفاف نهر دجلة والفرات ونقص نصيب العراقيين من المياه بالإضافة إلى نقص الأمطار، استيلاء إيران وتركيا على مياه دجلة.
الحكومة العراقية أعلنت عن الحاجة إلى 100 مليار دولار لإعادة إعمار العراق. واجتمع المانحون بدعم من الكويت ولم يتم جمع أكثر من 30 مليارا. الأمر الذى ينبئ بالمزيد من المشكلات.
العراق وهو دولة لديها احتياطى ضخم من البترول وأراض زراعية خصبة لدرجة أن العراق صمد 12 عاما أمام حصار تام بعد تحرير الكويت. ثروات العراق طوال السنوات الخمس عشرة تسربت فى الفساد وفى تكاليف الغزو التى حصلت عليها الولايات المتحدة، وعقود الأمن والإعمار وأثناء الغزو تم تهريب الاحتياطى من الذهب والآثار بأيدى الغزاة وأعوانهم. وفقد العراق ثرواته وأمنه واتسعت الطائفية، ولم يحصل على الديمقراطية التى وعد بها الأمريكيون العراقيين.
كل من شارك فى الغزو بوش وبلير، والقادة الأمريكيون كولن باول، اعترفوا أن الغزو كان خطأً وبلا أسباب، وأنه أنتج الإرهاب، ومع هذا يقولون إن العراق اليوم أفضل من دون صدام، فى محاولة للهروب من جريمة العصر، خمسة عشر عاما، ملايين القتلى، فى تفجيرات وصراعات طائفية وأكمل داعش التدمير والقتل. وتعرض العراقيون من الإيزيديين وغيرهم للقتل والسبى والبيع على أيدى داعش.
هناك الكثير من العراقيين الذين كانوا يعارضون صدام والبعث أعلنوا أن فقدان وتدمير الدولة جعلها نهبا لكل الأطماع، وضيع الثروة والفرص وحول العراقيين إلى حال أكثر سوءا، الأمريكيون الذين غزوا العراق رحلوا بعد نزح ثرواته، مباشرة أو عن طريق الشركات التى صنعت مليارات من أموال العراق ولم تصنع ديمقراطية ولا حرية بل تركت تفجيرات وحروب طائفية فضلا عن فساد لا نهائى.
العراق- بلاد النهرين- الذى مر 15 عاما على غزوه وقد فقد قوته ووجوده الفيزيائى، الدولة التى كانت تمتلك أكبر احتياطى نفطى مع نهرين ودخل قومى متعدد من النفط والزراعة والصناعة أصبح اليوم يحتاج تبرعات ومنح لإعادة البناء، هناك مناطق انسحب منها وجف نهر دجلة والفرات بسبب مشروعات مائية لتركيا وإيران، بسبب انهيار الدولة.
وقد أكد نائب الرئيس العراقى إياد علاوى قبل أيام فى حديث لـ«اليوم السابع» أن المحاصصة أى التقسيم الطائفى للحصص الانتخابية فى العراق، هو سبب الطائفية والفساد والإرهاب، وهو تأكيد لواقع أسهم فى صناعته عراقيون ارتبطوا بالولايات المتحدة وساعدوا الأمريكان على غزو بلادهم.
واعترف بول بريمر أول حاكم عسكرى للعراق فى مذكراته أنه عندما كلفه الرئيس الأمريكى جورج بوش بتقرير عن الحال فى العراق بعد الغزو، قدم تقريرا حذر فيه من تفكيك مؤسسات العراق كالجيش والشرطة، لأن هذا يصنع الفوضى، لكن ممثلى الطوائف العراقية حزب الدعوة وإبراهيم الجعفرى وأحمد الجلبى طلبوا تفكيك الدولة، وهو ما دفع إليه الرئيس الأمريكى، ثم أنهم دفعوا إلى دستور طائفى وإشعال الصراعات والحرب الأهلية ومهد للإرهاب بعد إسقاط الدولة. واعترف مسؤولون أمريكيون أنهم لم يتكلفوا أكثر من 200 مليون دولار لتمويل المعارضة «الجلبى والجعفرى» وما سمى معارضة عراقية واتضح أنهم لا يعرفون شيئا عن العراق تولوا السلطة وأسهموا فى المزيد من الصراعات التى أنهت ما تبقى.
اليوم تحول العراق إلى أجزاء وبدأت الشروخ فى عراق لم يكن طائفيا، وأصبح كذلك. واليوم يواجه تدخلات وإطماع من إيران وتركيا لسرقة ثرواته وأراضيه وحقوقه فى الماء والحياة، بعد أن تكالب أعداؤه.
كانت حجة بوش لغزو العراق أسلحة دمار شامل، لم يعثر عليها، وحجة أخرى زرع الديمقراطية وتخليصه من الاستبداد، تخلص العراق من الدولة ولم يتم بناء نظام سياسى من أى نوع، وحسب اعتراف الشاب الذى ظهر وهو يسقط تمثال صدام فقد كان هناك صدام واحد ودولة قوية أصبح هناك عشرات اللصوص والإرهابيين والمستبدين ولا دولة. فى ليبيا تفسخت الدولة وأصبحت تحت أيدى تنظيمات مسلحة تنهب نفطها وثرواتها. وفى سوريا تحولت أحلام الشعب فى الحرية إلى كوابيس إرهاب وانتهى الجيش الحر إلى تنظيمات داعش والقاعدة وتنويعات من التنظيمات الإرهابية. وفى اليمن التهمت الطائفية الدولة.
وكل هذه الدروس تشير إلى أهمية الحفاظ على الدولة، وليس فى هذا مثالية أو ادعاء، التجارب واضحة والنتائج أيضا. عدة ملايين يمكن أن تفكك النواة الصلبة لدولة يستحيل استعادتها، والديمقراطية صناعة محلية لا يمكن استيرادها ولا تصنعها الحروب الأهلية والطائفية، البناء مشروط بوجود الدولة التى تحافظ على النواة الصلبة.
هى رسائل من العراق أرض النهرين ودجلة والفرات والتى يجف ماؤها بعد أن فقد العراق نواته الصلبة.