يعرف الجميع أن الهيئة المصرية العامة للكتاب هى أكبر «ناشر» فى العالم العربى، فهذه الهيئة بخلاف نشاطها الحالى، لكنها أيضا تمتلك حقوق نشر غالبية المؤلفات المصرية منذ ما يقرب من خمسين عاما، كما أنها تعد الموطن الأصلى للأعمال الكاملة لأكبر مبدعى مصر، وهى أيضا الناشر الوحيد الذى يسارع أكبر الكتاب وأعظمهم فى الموافقة على نشر أعماله الكاملة، فقد ترسخ فى وجدان الجميع أن تلك الهيئة هى البوابة الرسمية للخلود منذ أن تولى رئاستها أكبر كتاب مصر وأكثرهم وعيا، لكنى فى الحقيقية أرى أن هذا الدور يذبل تدريجيا، فصحيح لا توجد كوارث حقيقية فى تلك الهيئة، ولم يحدث شىء عظيم بالسلب، لكنه فى الوقت ذاته لم يحدث شىء عظيم بالإيجاب، وللأسف أيضا فإن معظم اجتهادات رؤساء الهيئة فى الفترة الأخيرة انصبت على تفعيل الأنشطة القديمة أو توسيع مداها، لكن للأسف أيضا لم يفكر أحد فى استغلال ميراث هذه الهيئة الكبير، كما لم يفكر أحد فى مخاطبة المستقبل بلغته المستقبلية لا لغته التى أوشكت على الانقراض.
اقتراحى هنا يتلخص فى حتمية إدخال عقيدة النشر الإلكترونى إلى الهيئة المصرية العامة للكتاب، ولا أدعو هنا إلى أن تتنازل الهيئة الآن وهنا عن النشر الورقى، لكنى فى الوقت ذاته لا أتخيل لهذه الهيئة مستقبلا بدون أن توفر الكتاب لجميع فئات الشعب المصرى بالآلية التى يتعامل بها الناس «الآن» و«غدا» لا أمس، ولا يخفى على أحد أن القراءة الإلكترونية الآن تحتل مكانة عظيمة فى حياتنا، بل إنى أكاد أجزم بأن صديقى الدكتور هيثم الحاج على، رئيس هيئة الكتاب، إذا أراد كتابا «ما» ليستعين به فى أحد أبحاثه فإنه يذهب إلى جوجل أولا ليبحث عن الكتاب منشورا بصيغة الـ(PDF) قبل أن يرفع سماعة التليفون ليستطلع عن هذا الكتاب فى مخازن الهيئة التى يرأسها.
نشرت هيئة الكتاب منذ إنشائها حتى الآن عشرات الآلاف من الكتب والغالبية العظمى من هذه الكتب نفدت أو أعدمت، ولا تمتلك الهيئة رفاهية إعادة طبع هذه الكتب الثمينة مثل كتب مشروع الألف كتاب مثلا، فلماذا لا تقوم الهيئة بإتاحة هذه الكتب على الأقل على الموقع الإلكترونى للهيئة، وإن أرادت الربح فيمكنها أن تحدد سعرا لكل كتاب يتم تحميله، وأن تتحصل على هذا الثمن من شركات المحمول التى ترسل الرقم السرى لطالب الكتاب مقابل خصم جزء من رصيده، كما يمكنها الحصول على أموال إضافية عن طريق إقناع شركات القطاع الخاص بأن يعلنوا عن منتجاتهم على هذه الكتب، ولا تقتصر الاستفادة من هذا التوجه على توفير نفقات الطباعة وتوفير الدخل المناسب للهيئة فحسب، لكنها تخدم فى الأساس الهدف الأول لوزارة الثقافة عن طريق إتاحة الكتاب بسهولة ويسر للجميع.