ما يحدث فى سيناء، على وجه الخصوص، يدعو للزهو والفخر بجيشنا العظيم، ويؤكد كعادته وعبر العصور أنه خير أجناد الأرض، ويكفى أنه فى عهد «إخناتون» أحد ملوك الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة عندما اعتكف فى عبادته وأهمل إدارة حكم البلاد، وتوسعات الإمبراطورية المصرية حينذاك، وتجرأ عدد من حكام الإمارات فى الشام وأعلنوا انفصالهم، وعدم تبعيتهم لمصر، استنجد عدد من أمراء الممالك الموالين لمصر، بالملك إخناتون وقالوا فى رسائل، بعثوا بها له، والمعروفة برسائل «تل العمارنة»: «إن بعض الخونة تطاولوا على ملك مصر، وأعلنوا انفصالهم، ويجب إرسال جيش مصر الذى بمجرد ظهوره فى الشام يرتعد الأعداء، ويختفى الخونة».
وما أن ظهر الجيش فى حربه الشاملة «سيناء 2018» وفقا لفقه الأولويات قطع ألسنة هؤلاء الأقزام الإرهابيين سواء المنتمين لداعش أو ما يسمى بولاية سيناء، أو الذين ينفذون مخططات جماعات وتنظيمات تتخذ من غزة مقرا رئيسيا لها، والذين تطاولوا كثيرا على قيمة وقامة مصر، واعتقدوا أن صمت الدولة المصرية، خوفا ورعبا، وأنهم تمكنوا من سيناء، وأصبحت غنيمة لهم يقيمون إمارتهم الإسلامية فوق ترابها المقدس.
غضبة خير أجناد الأرض، وتحركهم لتنظيف أرض الفيروز من دنس هؤلاء «الخوارج» من «كلاب أهل النار»، ضمن حرب شاملة «سيناء 2018» واستعراض القوة كانت رسائل للتنظميمات الإرهابية وللدول المعادية، فى توقيتها وأهميتها لتقول وبصوت جهورى، إن مصر عادت كقوة غاشمة، تستطيع تأمين أراضيها وسمائها وبحارها، وأن من يحاول الاقتراب من حدودها أو مقدراتها فلا يلومن إلا نفسه.
نعم، الحرب الشاملة فى سيناء حققت نجاحا مبهرا بالنسبة الكاملة %100، واستطاع الجيش أن يقتل ويلقى القبض على التنظيمات الإرهابية ومعاونيهم، وقطع كل خطوط الإمداد، وتفكيك البنية التحتية لهذه التنظيمات التى عكفت سنوات فى تجهيزها، سواء كانت أماكن إيواء فوق الأرض وفى الكهوف، أو أنفاق تحت الأرض، ومستودعات أسلحة، وسيارات دفع رباعى، ودرجات بخارية، ومحطات وقود، ومراكز إرسال إذاعية، بجانب كنز المعلومات، التى كشفت كل أسماء خونة الداخل، والدول والجهات والكيانات الداعمة للإرهابيين فى الخارج، وهو ما أكدته معظم وسائل الإعلام الغربية.
كنز المعلومات، تحديدا، هو ما أثار غضب قطر وتركيا، وفضح أسماء عملائهما فى الداخل من الذين كانوا على اتصالات مباشرة مع التنظيمات الإرهابية فى سيناء، وهو ما يفسر أيضا سبب القبض مؤخرا على عدد من الشخصيات الشهيرة المتدثرة بعباءات المعارضة الحزبية والسياسية والثورية، سواء الشهيرة أسماؤهم أو المجهولة، وأنهم كانوا يقدمون للإرهابيين كل الدعم اللوجيستى!
وكشفت الحرب الشاملة «سيناء 2018» أن إجرام التنظيمات الإرهابية لم يقتصر على تنفيذ العمليات الإرهابية فى سيناء، واغتيال أشرف من فى مصر، جنود وضباط الجيش والشرطة، وإنما زادوا فى إجرامهم، وقوة تدميرهم بزراعة عشرات الأفدنة من المخدرات، وعلى رأسها البانجو، لتحقيق عاملين رئيسيين، هما، تدمير شباب مصر، وتحقيق عائدات كبيرة، للإنفاق على تسليح وتمويل عملياتهم الإرهابية، بعد تشديد الخناق على وصول التمويلات من الخارج.
أيضا لم يكتفوا بزراعة النباتات المخدرة، وإنما قرروا الاتجار فى «الترامادول» ومساعدة عصابات الاتجار فى البشر، وتهريب الراغبين فى دخول إسرائيل، أو غيرها، عبر مراكب تهريب كبيرة، وهو أمر يؤكد أن الجماعات والتنظيمات الإرهابية التى تتخذ من الإسلام ذريعة، لتنفيذ إجرامها، وإفساد الأرض، ترتكب كل الموبقات، من قتل وتخريب وإثارة الفوضى، والتآمر على البلاد بتنفيذ مخططات عدد من الدول والكيانات والجهات الخارجية، والاتجار فى المخدرات، والتهريب الشامل الجامع، من الترامادول وحتى البشر، والاستيلاء على ممتلكات الغير!
نعم الجيش حقق المراد، واستطاع بغضبته، وزأرة أسوده أن يسيطر على كل شبر، وجارٍ عملية التنظيف من دنس الإرهاب، وتطهير أرض الفيروز، المروية بالدماء الطاهرة، عبر تاريخها الطويل، ويبقى فقط ثلاث تحديات مهمة تواجه الجيش والشرطة حاليا:
التحدى الأول، يتمثل فى حجم العبوات الناسفة المزروعة على الطرق والمدقات، وفى معظم المناطق السيناوية، وسلاح المهندسين يبذل جهودا كبيرة فى تفكيكها، وتطهير الطرق والمدقات، ولولا هذه العبوات لكان الجيش قد طهر سيناء فى ساعات قليلة.
التحدى الثانى، يتمثل فى الهاربين من الإرهابيين كالفئران المذعورة، واتخذوا من الدكتور صفوت حجازى المثل والقدوة، حيث حلقوا ذقونهم، وبدأوا يندسون بين الأهالى، وهنا الدور المحورى لأجهزة المعلومات فى كشفهم والتوصل لهويتهم، والقبض عليهم ولابد من عملية حصر للأهالى فى العريش ورفح والشيخ زويد وكل قرى ومدن شمال سيناء، لإمكانية تحديد الغرباء والمندسين بين الأهالى.
التحدى الثالث هو إعادة تأهيل وكفاءة وتحصين النقاط الأمنية، والاستثمار الكبير فى الأمن المعلوماتى، واستخدام الأمن التكنولوجى من خلال كاميرات مراقبة لرصد الأهداف من على بعد أميال، والتعامل معها مبكرا، وإقامة حرم كبير حول هذه النقاط بحيث يمنع فيها السير للمدنيين، وتأهيل القوات تأهيلا عصريا، بحيث لا يغفل للفرد جفنا أثناء الخدمة، وإيجاد حلول سريعة وناجعة لقوات الطوارئ والإمداد فى حالة تعرض نقطة أو ارتكاز أمنى لأى عمل إجرامى.
ويبقى التحدى الأهم والأخطر ويتمثل فى إقامة المشروعات التنموية، وإعادة إعمار سيناء، وتوفير فرص عمل حقيقية للأهالى هناك، واعتبار سيناء محافظة حيوية ذات طابع خاص، وإدارة قوية ومتطورة، أمنيا واقتصاديا.
ولَك الله ثم جيش جسور يا مصر...!