من الواضح أننا حتى الآن لا ندرك حقيقة ما قيل قبل عدة أشهر بأن مصر تتجه للتحول إلى مركز إقليمى للطاقة، وإلا ما سمعنا هذه التحليلات والأكاذيب المرتبطة بالإعلان عن اتفاق شركة قطاع خاص على استيراد الغاز من إسرائيل، والتى ارتأى فيها المغرضون فرصة لكى يروجوا لأكاذيب لا تمت للواقع بصلة، منها أن الدولة المصرية هى من ستستورد الغاز الإسرائيلى، متغافلين حقيقة أن شركات خاصة دولية ستستورد الغاز فى إطار توفير احتياجاتها، بالإضافة إلى إسالة الغاز وإعادة تصديره مرة أخرى.
ربما يكون مؤلم لبعض الأطراف الإقليمية والدولية أن يروا مصر وهى تسعى لأن تصبح مركزا رئيسيا إقليميا لتصدير الغاز المسال قريبا، بعد استيراده خاما من دول المنطقة، وتصديره لأوروبا عبر البحر المتوسط، وإلى آسيا عبر قناة السويس، خاصة أن قيام مصر بهذا الدور سينتج عنه تصدير الغاز الطبيعى المسال من قبرص وإسرائيل لأوروبا مباشرة عبر المتوسط، بدلا من تركيا، وهو ما يضر بمصالح البعض، ممن دفعوا أذرعهم لشن هجوم إعلامى وعبر وسائل التواصل الاجتماعى حتى لا تستكمل مصر خطواتها، وهو أسلوب طالما تعايشنا معه وهزمناه.
الحقيقة الغائبة عن كثير منا أن مصر تعد بوابة المنطقة الوحيدة لتصدير الغاز الطبيعى المسال لأوروبا، نظرا لأن القاهرة هى الوحيدة فى المنطقة التى تمتلك محطات لإنتاج الغاز الطبيعى المسال، والتى لا تستطيع الدول الأخرى بناءها، نظرا للموقع الجغرافى لديها ولتكلفتها العالية، وربما تغافل البعض عن عمد أن هناك عدة دول فى المنطقة تسعى للقيام بهذا الدور المحورى كمركز إقليمى للطاقة، وأن مصر لديها كل المقومات للقيام بهذا الدور الاستراتيجى فى المنطقة.
الحقيقة التى يتغافلها البعض عن عمد أيضًا، أن مصر ماضية فى طريقها لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى بنهاية العام الحالى، وتحقيق فائض من الغاز خلال عام 2019، من خلال حقول «ظهر وشمال الإسكندرية ونورس واتول»، وهو ما سيؤهل مصر مع استيراد الغاز من دول حوض شرق البحر المتوسط للتحول إلى مركز إقليمى للطاقة.
وقد كانت وزارة البترول واضحة تمامًا فى هذا الأمر حينما قالت على لسان حمدى عبد العزيز، المتحدث الرسمى للوزارة، إن الاتفاق الذى تم بين الشركاء فى حقلى الغاز الطبيعى الإسرائيليين تمار ولوثيان وشركة دولفينوس الخاصة فى مصر ويقضى باستيراد الشركة المصرية الخاصة الغاز الإسرائيلى لمدة عشر سنوات بما قيمته 15 مليار دولار.
هذا الاتفاق سيخضع للقوانين المنظمة، وعلى الشركات الخاصة التقدم بطلباتها رسميًا للنظر فيها وفقًا للضوابط الموضوعة فى هذا الشأن، وأن قانون تنظيم سوق الغاز الجديد يسمح للشركات بشراء الغاز واستيراده، وإعادة بيعه سواء فى السوق المحلى أو إعادة تصديره من خلال محطات الإسالة وفقا لما حدده القانون ولائحته التنفيذية وأن هذا التوجه سوف يحقق قيمة مضافة للاقتصاد المصرى بالاستفادة من الغاز المورد بإعادة استخدامه فى العديد من الصناعات أو من خلال إعادة تصديره.
إذن الأمر واضح وضوح الشمس ولا يحتاج لشرح أو تأويل، فالصفقة التى تم الإعلان عنها لا تخص الدولة المصرية بشكل مباشر، وإنما مرتبطة باتفاقات تجارية متعارف عليها دوليًا، ستحقق فائدة لمصر، وهو ما تحدثنا عنه قبل عدة أشهر، وقلنا إنه من الوارد حدوث مثل هذه الاتفاقيات والصفقات، لأن فكرة التحول إلى مركز إقليمى للطاقة من ضمن متطلباته أن تكون مصر هى الممر الوحيد لأنابيب الغاز المارة من المنطقة إلى أوروبا، دون النظر إلى جنسية هذا الغاز سواء كان قبرصى أو يونانى أو إسرائيلى، المهم أننا نتحدث عن تعاملات تجارية ستعود بفوائد اقتصادية على مصر.
الغريب أنه وسط التخبط والأكاذيب التى سيطرت على عقول من يطلقون على أنفسهم النخبة المصرية، كانت هناك صحف غربية تتحدث عن الموضوع بالحقائق والأرقام، ومنها صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، وشبكة «بلومبرج» الأمريكية، اللتان أكدتا أن صفقة الغاز الجديدة بين الشركات المالكة لحقلى غاز ليفاثيان وتمار الإسرائيليان، ودولفينوس الخاصة فى مصر، من شأنها تعزيز مسيرة مصر لأن تصبح مركزا رئيسيا للطاقة العالمية قريبا، من خلال إنتاج الغاز الطبيعى المسال وتصديره إلى أوروبا وآسيا، خاصة أن مصر تمتلك بالفعل منشآت لإنتاج الغاز الطبيعى المسال فى البحر المتوسط، وهو ما لا يتوفر لدى الدول الأخرى فى المنطقة، الأمر الذى يمنحها مزيدا من القدرة على إنتاج الغاز الطبيعى المسال، وتصديره إلى دول أوروبا وآسيا.