أكثر من مشهد فى فنزويلا، الدولة اللاتينية الكبيرة الغنية بالبترول، تعبر عن حجم المأساة التى وصلت إليها البلاد، حيوانات حديقة الحيوان الرئيسية فى فنزويلا «زوليا» تموت من الجوع بسبب «نقص الميزانية والأزمة الاقتصادية وتكشف الصور كيف أصبحت ضلوع الأسود والنمور واضحة من الجوع، لأنها تأكل مرة واحدة فى الأسبوع، ويقول مدير الحديقة، إن الحيوانات تحصل على %8 فقط من حاجتها الغذائية، وليست الحيوانات فقط التى تعانى الجوع، لكن كما ذكرت لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان فإن 4.5 مليون فنزويلى على الأقل يأكلون مرة واحدة يوميا أو كل يومين، ويموت مواطن على الأقل جوعا يوميا، و6 أطفال أسبوعيا بسبب نقص الغذاء، وثلث عدد الأطفال الفنزويليين أصيبوا بتخلف فى النمو.
وأشارت صحيفة «اليتينا» الإسبانية إلى نقص الأدوية الأساسية للسكر والإسهال وارتفاع ضغط الدم، وتدهور الأحوال الصحية ونقص الدم، ووصل الحال لظهور عصابات تتاجر فى الأطفال وتستغلهم للدعارة مقابل الغذاء، والفنزويليون يبحثون عن الغذاء فى حاويات القمامة ويعانى ملايين من المواطنين فى فنزويلا من نقص فى الغذاء والدواء، وباتت المعاملات اليومية صعبة جدا، حيث تتضاعف الأسعار كل 35 يوما، وانتشرت عمليات النهب والمظاهرات التى يقودها الفقراء من الجوع فى أنحاء فنزويلا، تطالب بخلع الرئيس نيكولاس مادورو، الذى خلف هوجو شافيز فى السلطة، وقد وصل معدل التضخم إلى %4068، ووصل الأمر إلى بيع بعض الفنزويليات لشعرهن على الحدود الكولومبية لشراء حفاضات وحليب لأطفالهن، وانتشرت عصابات النهب، الأمر الذى دفع بعض الشركات لتوظيف رجال أمن براتب شهرى لا يتجاوز دولارين، حيث تتعرض الشركات والمنازل للنهب المستمر، ويتعرض الحراس للقتل يوميا.
الحكومة تلقى اللوم على المعارضة، فى الوقت الذى تتهم المعارضة الحكومة بأنها وراء تلك الأزمة، وقد فاز حزب الرئيس نيكولاس مادورو بأغلبية الولايات فى الانتخابات البرلمانية أكتوبر الماضى، لكن المعارضة تضغط لإجراء انتخابات مبكرة، خاصة بعد إصدار قوانين تتهم المعارضة الرئيس بإصدارها للانتقام من المعارضة.
وتبدو الأزمة الاقتصادية فى فنزويلا معقدة، خاصة أن فنزويلا دولة غنية بالنفط والغاز، بدأت أزمتها بعد وفاة الرئيس السابق هوجو تشافيز، الذى حكم البلاد طوال 15 عاما، لكن الأزمة بدأت قبل رحيله بسنوات، لأنه حاول خلالها تطبيق نظام لصالح الفقراء، لكن الأمر انتهى بمأساة، تسلم شافيز السلطة عام 1998 كان %50 من المواطنين تحت خط الفقر، بينما كانت هذه البلاد من أغنى الدول النفطية والتى يقدر دخلها بـ850 مليون دولار فى الشهر، وأعلن التركيز على رفع مستوى المعيشة للمواطنين من خلال تأميم النفط وإعادة توزيع عائداته على المواطنين، والقضاء على بيوت الصفيح، وتبنى مشروع إنشاء 200 ألف مسكن اقتصادى توزع مجانا على المحتاجين، وبدأ مواجهة رجال الأعمال والولايات المتحدة وشركات النفط.
وهناك فرق بين تجربة هوجو شافيز فى فنزويلا، ولولا دى سيلفا فى البرازيل، ففى حين اكتفى شافيز بالرهان على البرامج الاجتماعية، وتصادم مع رأس المال، اعتمدت السياسات الاقتصادية للرئيس «لولا دا سيلفا» (2003-2010) على سياسات لمواجهة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال مزج الاشتراكية مع سياسات ليبرالية، تدعم الرأسماليين لحماية صناعتهم واستثماراتهم، مع نظام ضرائب عادل وشفافية، وهى سياسات جعلت الطبقة الرأسمالية أكثر تأييدا لحكم لولا، ونقلت البرازيل من الإفلاس إلى التقدم الاقتصادى خلال ثمانى سنوات فقط، ونقلت ملايين البرازيليين الفقراء إلى الطبقة الوسطى، ومع نهاية عام 2011 وصلت البرازيل لتصبح سادس أكبر اقتصاد فى العالم.
صحيح أن البرازيل واجهت خطر الانحدار والفشل مع الرئيسة ديلما روسيف التى خلفت لولا وتنتمى لحزبه، لكنها واجهت سوء حظ، وكانت مسؤولة بدرجة ما عن طريقتها فى الحكم والاقتصاد، وأطيح بها لكن ظلت البرازيل قادرة على الصمود من خلال نظام اقتصادى متقدم يقوم على التنمية الزراعية والصناعية والتصدير، فضلا عن النمو الاجتماعى، فيما واجهت فنزويلا الإفلاس، وعجزت عن الصمود فى أمواج العولمة والاقتصاد. قاد شافيز تمردا قى مواجهة الولايات المتحدة، وسعى لتأميم القطاعات الخاصة والنفط، وبالرغم من أنه حظى بتأييد الفقراء فإنه لم يحظ بوجود طبقة سياسية قادرة على مساندة برنامجه، واعتمد الفقراء على الاستهلاك للمساعدات الاجتماعية من دون تنمية، ولم ينجح فى بناء مشروع سياسى صلب تحمله قوى اجتماعية منظمة تسانده، اكتفى هوجو شافيز برفع شعارات اشتراكية، لكنه عجز عن تقديم برنامج ووعى قادر على تطبيق البرنامج وحمايته، ولم يقم بتنمية مستقلة أو تصنيع، على العكس من اشتراكية لولا التى مزجت بين الاقتصاد الحر والاشتراكية الديمقراطية، ونقلت البرازيل إلى سادس اقتصاد، لتؤكد أن الاشتراكية والعدالة والديمقراطية لا تتم بالنيات الحسنة ولكن بالتنمية والشراكة.